الأحد، 26 فبراير 2012

الرجل الأبيض المتوسط


بدأ الرجل الأبيض المتوسط يتذكر وميض ذكرى شبه ممحية لأشباح كان معهم منذ دقائق عندما أستيقظ مفزوعاً على صوت المنبه الشبيه بنحيب طائر يحتضر, فأصطدمت عيناه بنور الصباح كمن يصطدم بشاحنة عملاقة عند عبور الطريق , وعندها تفوه فمه بالكلمات المعتادة " اللعنة ... لقد مازلت على قيد الحياة".

كان النوم هو الهواية المفضلة للرجل الأبيض المتوسط , فقد كان ينتمى إلى "عالم الأحلام" , حيث أختلفت قوانين هذا العالم إختلافاً كلياً عن العالم الواقعي , ففي هذا العالم فقط تستطيع مجالسة الموتى مرةً آخرى على الرغم من إختفائهم من حياتك منذ سنوات , وفي هذا العالم تختلف قوانين الزمن و الإنتقال و الجاذبية , والأهم في هذا العالم أن الشخص الذي تحب والشخص الذي يبادلك الحب هما الشخص ذاته .

لم يكن الرجل الأبيض المتوسط يحتك بالعالم الخارجي إلا في أقل المناسبات , ونشأ هذا القرار نتيجة الصدمات المتتالية التى تلقاها على عاتقه والتى حولته من شخص مثال للتفاؤل إلى هارب من الواقع , فكان يمضى أيامه يعمل من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءاً ... يذهب بعدها للمنزل ليتناول وجبة يومه الوحيدة يحتسي معها كوب من الشاى ... بعدها يهيأ نفسه للذهاب إلى الفراش والهروب من عالم اليقظة شديد السوء , فعقله المحمل بالذكريات السعيدة غير مؤهل بعد لإستيعاب الواقع المزرى بأن الأشياء لم تعد على ما يرام و أنه فقد الكثير في خلال السنوات القليلة الماضية .

وفي يوم من الأيام أراد الرجل الأبيض المتوسط  أن يواجه الواقع , فقد رغب بتغير العالم من أجل حياة أفضل ...فقرر الخروج إلى العالم الخارجي حيث توجد سيارات فارهة و أبنية كئيبة و شوارع مهملة وبشر يحتضرون وكائنات منتظرة موسم التزاوج , فتجول طليقاً يبحث عن الأجوبة , ولكنه توقف عندما اصطدم بلافتة ضخمة مغطاة بالصدأ وملطخة بخط غير متناسق حفرت به تلك الكلمات " مرحباً بك في عالم الأموات ".

كانت الصدمة قوية لدرجة أفقدته فيها الوعى , ولكنه أستيقظ في ألم على نداء إستغاثة خفي قادم من عالم لم يعهده من قبل , يتحسس المكان ليتعرف على البيئة المحيطة فأندهش بأن الأشياء الملموسة لم تعد بعد ذلك , وقررت الأوهام أن تندمج مع الحقيقية فتحول الاثنان إلى خليط مزعج أربك عقله , ومضات لأشباح من الماضي و أماكن مألوفة لكنه لا يتذكر أنه مر بها يوماً ... يرى مرآة مغطاة بالغبار يتوسطها صورة شبح غير واضحة المعالم ... ينزعج مرة آخرى لسبب آخر غير معلوم يشعره بالتعاسة , فقد كانت غريزته الأولى تقول بأنه في الجحيم, أما غريزته الثانية فتؤكد أن الشيطان يراقبه عن كثب, أما غريزته الثالثة فنبأته بأنه قد سقط إلى الهاوية ...

شبح لرجل عجوز ذو ملامح مشوهة يوجه إليه الحديث من خلال المرآة المحطمة القابعة أمامه :
-         لما لا تجيب عن الإتهامات الموجهة إليك أيها الأحمق ... هل أنت مصاب بالصمم ..؟ !
-        أجاب الرجل الأبيض المتوسط مرتجفاً " اي أتهامات !! ؟؟؟
-         هل تعلم أنه سوف ينال منك كما نال من غيرك ؟
-         يتعجب الرجل الأبيض المتوسط ... "عن من تتحدث أيها العجوز؟"
-         عن الفأر الذي ينقر خيوط عمرك .
-         ويكمل العجوز .."هل تعلم أننا سنحكم عليك بالجريمة الكبرى...سنحكم عليك بتهمة إهدار الوقت "
يضع الرجل الأبيض المتوسط يديه  فوق رأسه بشكل غريب
-     ويتسائل  العجوز في مرح " هل أنت على ما يرام أيها الأبله ؟"
-         يجاهد الرجل الأبيض المتوسط كى يبحث عن إجابة مناسبة و يقول فى حسرة "أحاول أن أمنع الأفكار من التسرب من ذاكرتي المثقوبة ... اللعنة , ما كان على أن أخرج إلى العالم الخارجي أبداً... "تغيير العالم من أجل حياة أفضل " لماذا أقتنعت بهذا الهراء...! ؟

-         كان العجوز يضحك بلا توقف و لكنه أسطرد قائلا " لاداعي للحسرة ... سنعفو عنك لحسن نواياك , وستخرج من ذلك المكان المزري , ولكن عليك أن تدرك الأمر... كى تغير العالم عليك أن تبدأ بالشخص الذي تراه في المرآة كل صباح "...