الخميس، 17 نوفمبر 2011

تحت تأثير المخدر


وقبل نهاية العالم بعدة سنوات بعد أن أستنزفت طاقات الأرض تماما وعاد الإنسان إلى ما كان عليه أيام العصور المظلمة , وبالرغم كل هذا التغيير الرهيب الذى طرأ على الكون أجمع لم يتغير نظام الحكم في البلاد التى ظل يحكمها العسكريين لقرون متلاحقة بالرغم من وعود زائفة لتسليم القيادة لسلطة مدنية , ولقد أعتاد العسكر على نصف الثورات التى كانت تحدث بين الفينة والفينة فلم تلبث أن تقوم شرارة ثورة حتى يتم قمعها أو التدخل السريع لتفريق فئات الشعب التى تنسى مطالبها الرئيسية في الأخير وتتفرغ لمحاربة بعضها البعض ومن ثم تتلاشى الثورة فى أيام .


 وفى هذا الزمن بالرغم من رجوع البشرية إلى العصور الوسطى حيث أختفت الأسلحة الحديثة و ظهر القتال بالسيوف والمجانيق مرة آخرى ... أستطاع المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ الأزل أن يخترع سلاحاً فتاكاً عندما نشبت شرارة آخرى لبداية ثورة فتجمع الشعب عند أنقاض ميدان تحرسه أسود حجرية متهالكة بفعل الزمن , وفي هذه المرة صمد الشعب الثائر فى هذا الميدان بشكل غريب غير مسبوق مما دفع العسكر إلى إستخدام ذلك السلاح الذى إن وجد منذ القدم لغير خريطة الأرض , فأستخدم العسكر هذا السلاح ليكون ذخيرة تقذفها المجانيق العملاقة على الأهداف البعيدة , فكان عبارة عن كرة ضخمة من نبات البانجو المخدر مع خلطة سرية من نباتات مهلوسة آخرى , وألقى العسكر على المتظاهرين مئات من تلك الكرات المخدرة بعد أشعالها , ومع القذيفة الأولى بدأ الشعب يشعر بالنشوة , و توالت القذائف الواحدة بعد الآخرى حتى بعث المجلس العسكرى بإحدى مفاوضيه ليتفاوض مع قادة الثورة  التى سيطرت عليهم المادة المخدرة و جعلت بينهم وبين الزمن حاجزاً ,فأتفق الطرفان على أن الحل الأمثل في تلك الفترة الحساسة في تاريخ البلاد هى ترك عصا القيادة للمجلس العسكرى الذي يملك من الحكمة الشيئ الكثير , وقام الشعب وهو في نشوة المخدر بإحتفال ضخم بمناسبة تسليم السلطة لأهلها الأصليين , ورجع الجميع إلى منازلهم سعداء  , وبمناسبة ذلك الحدث الجلل قرر القائد الاعلى للعسكر بإقامة ذلك الكرنفال كل سنة في ذلك اليوم , وعندها فقط أيقن الشعب أنه قد فعل الصواب . 


الخميس، 3 نوفمبر 2011

الأصبع المفقود


في الذكري الخمسين لثورة لم تكتمل أبداً كانت البلاد تحتفل رسمياً بوهم نصر خادع لم يتحقق , وسمي ذلك اليوم  بيوم الشعب , و أمر الحاكم العسكري الشبيه بكائن منقرض الذي يحكم البلاد منذ فترة ضبابية لم يستطع أحد بذاكرة مثقوبة أن يتذكرها نظراً لطول المدة أن يقام تمثال عملاق على شكل يد لذراع قوية سمي "القبضة" , فكان صرح ضخم مصنوع من معدن كئيب يصور قبضة مشوهة غير مكتملة لذراع حديدية , وكانت تلك القبضة الحديدة المشوهة ينقصها الأصبع الأوسط .


 وأختلف العامة من الشعب على تفسير رمز هذا العمل الفني الجبار , فمنهم من فسر أن اليد هي يد الشعب المكافح الذي أستطاع الصمود ضد الزمن الراكد , ومنهم من فسر القبضة على أنها رمز للتعاون بين الشعب الذي في حقيقة الأمر لم يتعاون إلا على الفرقة ,  ومنهم من فسره أنه رمز للعمل الجاد الذي لم يتحقق أبداً ... ولكن التفسير الأوقع الذي لم يجرؤ أحد على تخيله كى لا يحاكم عسكرياً , أن تلك القبضة الحديدة كانت تمثل الحكم القاسي لعسكريين محنطين لشعب بائس الذي لم ينل شيئاً منذ أن تولى هؤلاء سلطة إنتقالية دامت لعقود ...  سوى ذلك الأصبع المفقود .


الخميس، 27 أكتوبر 2011

الموت ببراز الطيور


أنه عصر التقدم العلمي لا شك , فبعد ان أستطاع ذلك المجلس المكون من عسكريين محصنين ضد الموت من الحكم لسنين طويلة منذ أن تولوا إدارة البلاد بعد نصف ثورة قام بها شباب واعد من شعب يائس , نجح العسكريين في الأخير في ترويض الطبيعة والتغلب على قوانينها العنيدة.

في البداية الأمر , بعد أن أنطلقت شرارة النصف ثورة أستطاع بعض الشباب أن يعلنوا التحدي ضد تيار شعبي عارم من الجهل و أقنعوا القوم بأن الموت في سبيل الحرية أثمن من حياة في قطيع الخراف ذاك , ولكن الشعب الجائع الذي يعشق الإستقرار قد شرع إلى الفرار فلم يستطع التكيف مع الوضع الجديد الذي أصبح شديد التعقيد , فقد تطلب الأمر إلى بذل الكثير من الجهد و الكثير من التضحيات , فسخط هؤلاء القوم على ما تم إنجازه حتى ذلك الحين, وتمنوا الرجوع إلى العصر البائد و العيش في مستنقعات القذارة كالعبيد ... حيث الإستقرار قابع بمذاقه الفريد .

ومرت السنين , ولم يكن ذلك المجلس بغريب عن رغبات ذلك الشعب المسكين فقد علم أن الخطوة الأولى للسيطرة على قطيع الخراف من جديد هي توفير الطعام لهم بصورة مستمرة وحل مشكلة الغذاء , ومن ثم أخذت المختبرات العسكرية التى تنتنج أخطر أنواع الأسلحة المدمرة على إنتاج جيل جديد من الطيورالتى تم تهجينها حتى أصبحت بحجم مبنى عملاق , فكانت الدجاجة الواحدة تكفي لإطعام مئات الأشخاص, و أستطاع المجلس حل مشكلة الجوع ...و أصبح هؤلاء العسكريين ...  أبطال خالدين ... كأسطورة التنين .

فرح الشعب بالنتائج المبهرة , وشكروا الخالق على نعمة العقل الذي منعهم من الإنصياع لخرافات شباب بائس يسعى وراء المجد , ولكن لم يدم الإستقرار طويلاً , فعلى العكس إزدادت معدلات الوفاة في قطيع الشعب الهائج ولم يكن ذلك بفعل وباء غامض أو مرض لعين أو طبيعة ساخطة أو حتى حرب غشماء ...فعندما حلقت الكائنات المهجنة العملاقة في السماء , بدت كانها غربان قاتمة قادمة من القبور... وأخذ نوع جديد من الموت بالظهور ...سُمى الموت ببراز الطيور .



الاثنين، 24 أكتوبر 2011

الخازوق


وخلال رحلته الطويلة التى قطعها بدءاً بالوديان المنبسطة القابعة تحت سلسلة جبال شاقهة ومروراً بالجبال نفسها حتى أستطاع التسلق إلى القمة , لم يتوقف لحظة عن تخيل نظرة الناس له عندما يشاهدونه من أعلى  قمة الجبل خصوصاً لكونه شخص متوسط الذكاء متوسط القوة متوسط الطول متوسط الدخل فلم يكن يملك شيئاً مميزاً في الواقع , فقد كان في أشد الحاجة لنظرة الإعجاب تلك التى لم ينالها أبداً. أما قريته الصغيرة التى تقبع أسفل الوادي السحيق والتى عاش فيها طوال حياته فقد تناقلت فيها الكثيرمن الحكايات والأقاويل والأساطيرعن هذا الجبل الشامخ المهول وخصوصاً أن أحداً لم يتمكن من بلوغ قمته حتى الآن , فمنهم من كان يحلم بالأمر ولم يقدم على تسلقه قط , ومنهم من تسلقه فعلاً ولم يتمكن قط من بلوغ قمته , ومنهم من مات وهو يحاول و أنتهى به المطاف كجثة ممزقة في الأسفل .
وعندما قرر أن يبدأ تلك الرحلة التى أخطأ في تسميتها كثيراً ففي البداية أختلط عليه الأمر وسماها رحلة البحث عن الذات و سماها فيما بعد رحلة البحث عن النجاح ولكن في الواقع كانت كلها مسميات خاطة لأنها كانت بالنسبة له رحلة البحث عن الشهرة في الأخير.

أستطاع أخيراً بلوغ قمة الجبل  بصعوبة بالغة نظراً للإرتفاع الشاهق وقلة الأكسوجين ناهيك عن حالة الإنهاك التام التى ألمت به منذ شهور طويلة منذ أن قرر صعود تلك الضخور المدببة , أستطاع أخيراً مشاهدة المشهد كاملاً , وكان منظر الوادي بديعاً , فقد كشف تفاصيل دقيقة لم يكن ليراها من أسفل , و أخذ يفكر بإنجازه العظيم الذي حققه أخيراً بعدما كان مجرد فكرة عابرة , ولم يتوقف عن تخيل نظرة الناس له بعدما أستطاع الوصول إلى القمة , وتملكه أحساس فريد بالزهو والإعجاب , ولكنه كان مصحوب ببعض القلق لأن أحداً من الناس لم يتمكن من مشاهدته على القمة بالرغم من التلويح لهم مراراً فلم يكن لأحد أن يراه بسبب الإرتفاع الشاهق , فأدرك أن كل هذا المجهود المضنى سيذهب سدى ... فنظر نظرة طويلة في الأفق الواسع  وأدرك أن عملية النزول ستكون أصعب من الصعود و أنها ستحتاج إلى مجهود أكبر بكثير, ومر بمخيلته ذكرى هؤلاء الذين ذهبوا في هذه الرحلة ولم يتمكنوا من الرجوع أبداً , وعندها أدرك السبب وهنا فقط قد تمكنت خيبة الأمل من إصابته في مقتل فأجبرته أن يتوقف عن التلويح بيديه للبشر في الأسفل كالمعتوه ... وقرر أن يجلس ليفكر في مستجدات الأمور فأمعن النظر في الأسفل مرة آخرى و تأمل الجبل الشامخ في تمعن وهنا فقط أدرك أنه كان يجلس فوق مقدمة خازوق عملاق .


الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

بطل من ورق


أستسلم البطل المصنوع من ورق لمخالب الرياح العاتية , فأجبرته على أن يمضى قدماً نحو الأرض المقفرة مطأطئ الرأس حتى وجد نفسه تحت سماء لامعة لا قمر فيها .
رفع رأسه ليرى تلك النجوم الساهرة وتمنى أن ينتقل بعيداً عن هذه الأرض عندما توالت عليه نكبات الزمن , فالمعركة الوحيدة التى يتذكر أنتصاره فيها هي معركته مع شبح أبتسامة .

لم يبتسم البطل المصنوع من ورق لسنوات طويلة بعد فقدانه الكثيرمن ضروس فمه الشبيه بكهف حجري مظلم بعدما تلقى ضربات موجعة من أحد الأعداء الغابرين الذين قابلهم كثيراً في طريق نجاح خادع ممهد بالأشواك , قرر ألا يبتسم ثانيةً حتى تنمو له ضروس آخرى , فحرم نفسه من نعمة الأبتسامة لمجرد أن يتجنب تقريعات البشر على مظهر فمه التى بات أقرب إلى نوافذ محطمة لبيت خشبي عتيق , فقد أراد الحفاظ على مظهره الأنيق كبطل شعبي و لم تكن الأسنان المفقودة تخدم مطلبه ذاك , وأستمر هذا الحال لسنوات عديدة ولكن دون جدوى , فلم تنمو تلك الأسنان أبداً وظل الفراغ كما هو .

 جاء ذلك اليوم الذى قرر فيه أن يملأ هذا الفراغ  بكمية من الطمى الكئيب ذو اللون الكاحل الذي يملأ النهر ذو المياه الشفافة , التى تناقلت عنها أساطير كثيرة لقدرتها على الشفاء من الامراض التى أستعصت على الزمن, وعندما أقترب من حافة النهر , رأى قطع نقود ذهبية منتشرة في القاع تلمع كالمرايا تحت أشعة شمس منكسرة بسبب الغيوم , و أبتسم أخيراً أبتسامة عريضة أظهرت أضراسه المفقودة , فقد أدرك أنه قد آن الأوان أن يتغير حظه السيئ الذي لازمه منذ الأزل .

نسى تماماً أمر ذلك الطمى السحرى , فقد كانت صورة تلك العملات الذهبية تملأ مخيلته بالكامل , وأخذ يجمع القطعة تلو الأخرى , ويملأ جيوبه, وفكر بما سيفعله بهذا الكنز المهول فقد خطط مبدأياً أن يستغل تلك الثروة للقضاء على أعداءه , وفيما هو يسرح بخياله كحصان غير مروض في غابة مهملة أدرك أن المال سينصره في معاركه الكثيرة إلا واحدة فتحطمت أمواج الأمل الذى بعثه هذا الكنز تحت صخور الواقع المددبة عندما أحس أنه سوف يدخل معركة خاسرة مع شبح الشيخوخة والتى ستؤدى أخيراً بحياته , فوجد الحزن سبيلاً إلى قلبه مرة آخرى و شعر بالتعاسة , ولم ينتبه إلى موقع قدماه التى سقطت في المياه العميقة ... وعندها فقط تذكر أنه لا يستطيع السباحة .

التالي ...


الاثنين، 3 أكتوبر 2011

تأثير الفراشة



 كان ينظر إلى الكون بمنظور طائر مجروح مفقوع العين, مستلقياً تحت ظل شجرة التوت العملاقة التى أينعت ثمارها الوافرة تحت شمس الكون الباهتة , لا يملك القدرة على مشاركة أقرانه من الصبية في اللعب تحت أشعة الشمس الذهبية الساطعة وكانت متعته الوحيدة هى مشاهدته لتلك الألعاب بالرغم من عدم مشاركته فيها , و كانت أمنيته الوحيدة هى حصوله على جسم قوى ذو سواعد مفتولة يؤهله للعب مع أقرانه في المستقبل القريب لأن جسده  الهزيل الحالى لا يملك القدرة على بذل أى مجهود سوى التنقل من مكان لآخر في حسرة .

لم تكن أمه لتسمح بأن يشارك أبنها النحيف فى أى نوع من الأعمال أو حتى الألعاب المختلفة التى يلعبها الأطفال في سنه نظراً لضعف جسده البالى , وكانت الأيام تمر تباعاً وتكرر نفسها كأنها تسبح في حلقة دائرية مفرغة كعقارب ساعة صدأة , وظلت أمنية الصبى كما هى ... لقد أراد الحصول على جسم قوى كالفهد , وتنامى في داخله ذالك الشعور المريب الذي حدثه بأن تلك الأمنية ستتحقق يوماً ما  .

وذات يوم أقبل الصبية عليه مسرعين يطلبون منه تسلق شجرة التوت الضخمة و أن يأتيهم ببعض الثمار الطازجة , رفض في بداية الأمر لأنه كان على يقين أن جسده سيخزله في تلك الواقعة كما خذله في وقائع أخرى كثيرة , ولكن إلحاح بقية الصبية جعله يعدل عن رأيه , فقد أقنعوه بأنه الوحيد المؤهل لتسلق تلك الشجرة ضعيفة الأغصان نظراً لصغر حجمه و خفة وزنه .

تسلق الصبي الجزع تلو الآخر و كان هدفه الحصول على الثمار اليانعة التى توجد فى الأعلى , و عندما مد يديه ليقطف واحدة , أختلت الأرض من تحت قدميه وسقط كالصخرة .
أدت تلك السقطة أن أفقدت الصبي القدرة على المشي بدون عنصر مساعدة , وقد أضطر إلى إستخدام عكازين يتكأ عليهما كلما أنطلق من مكان لآخر .

و مرت الأيام , وعاد مرة آخرى ليستلقى بصعوبة تحت ظل شجرة التوت العابسة بمساعدة العكاز الخشبي الكئيب الذي لم يعلم لماذا تشقق هل بفعل الزمن أم بفعل حزنه على حاله المزري , وخلال تأمله للكون بعيون مليئة بالدموع, أبصر تلك المخلوقات رائعة الجمال تطوف من حوله , وعندها أدرك أن طيلة الفترة الماضية كان يرى العالم من قفاه .

في البداية كانت مجرد كائنات دقيقة تزحف بين أوراق الأشجار الكثيفة , أمعن النظر مرة آخرى إلى تلك الديدان السوداء ولم ير فيها شيئاً مميزاً , وراقبها يومياً و لاحظ أيضاً تحولها مع مرور الوقت , فأصبحت أكثر قوة و أضخم وزناً , حتى أصبحت يرقة في يومِ ما .
 وجاء ذلك اليوم الذي لن ينساه طيلة حياته , فقد رأى تلك اليرقة تتحول إلى مخلوق رائع بديع الألوان وقد نما لها جناحين ترفف بهما في الهواء وتحلق بها عالياً …لقد تحولت إلى فراشة .

ومنذ ذلك الحين أصبح الصبي أشد تمسكاً بحلمه فمازال حلم الأمس يراوده بشدة بالرغم من صعوبة تحقيقه بسبب تلك العكاكيز المتهالكة البغيضة غير ذات النفع , والغريب أن تملكه ذلك الإحساس الداخلي الذي منحه السكينة , فقد أيقن أن جسده سيصير أقوى بالرغم من علته تلك فمراقبته للفراشات بديعة المنظر بعدما كانت مجرد حشرة سوداء مقززة قد أضاء في نفسه الأمل مرة آخرى .

ومرت سنون طويلة في حلقة الحياة المفرغة ... وذات يوم أجتمعت القرية لتشاهد ذلك الفتى عريض المناكب مفتول العضلات في المبارة النهائية التى أنتهت بفوزه وبعدما تم تكريمه و أصبح المصارع الأقوى في المدينة , طلب منه الحضور إلقاء كلمة بمناسبة إنجازه العظيم , فأفتتح كلمته بشكر الخالق القدير الذي أستجاب لأمنيته بعيدة المنال والتى تمناها منذ أن كان طفلاً , فقد أراد أن يصبح قوياً ذو سواعد مفتولة ولم تكن لتلك الأمنية أن تتحقق إلا بإستخدام عناصر خارجية , فجسده النحيف الضئيل ما كان ليصبح بمثل تلك القوة إلا بإستخدام العكازين الذى أستعان بهما لسنين طويلة حتى جعلا ساعديه كالصخرة وجعلا منكبيه كالأفق الواسع وقرر تركهما في الأخير لأنه أستعاد قدرته على المشي, وحمد الله على نعمة البصر الذي أدرك من خلاها أن هناك كائنات أقل شأناً كانت قادرة على التحول والتحليق في السماء على الرغم من أنها ولدت حشرة سوداء لزجة تزحف في بطء .  





الخميس، 7 يوليو 2011

الأعرج


نشأ هذا الصبي في أسرة من الأسر المعدمة التى تملك بالكاد قوتها اليومي , فقد شارك جميع أفراد الأسرة في العمل الشاق في المزرعة الصغيرة التى كانت مصدر رزقهم الوحيد .
كان الصبي الأصغر في تلك الأسرة الفقيرة الكادحة التى تكونت من أب وأم وسبعة أبناء. وكان له وجه جميلاً صبوحاً بالرغم من إعاقته تلك , فقد ولد بمرض نادر أصاب جهازهه العصبي , أجبره على أن يمشى منحني الظهر , مقوس الأرجل يجر القدم الأولى وراء الثانية جراً , أما يديه فكانت في حالة إرتعاش دائم , ولم يختلف أسلوبه في الحديث عن أسلوبه في المشي , فكان ينطق بصعوبة بكلام متعلثم غير مفهوم . ونظراً لعلته , لم يشارك الصبي الصغير في تلك الأعمال , فقد كان عاجزاً عن تقديم أى نوع من العون والمساعدة ,فحركته كانت بصعوبة شديدة أما يديه فقدت كانت غير قادرة على حمل شيئاً .

لم يحب الأب هذا الطفل كثيراً , فقد تطلبت رعايته الكثير من الوقت والجهد والمال الذي كان يحصل عليه في مشقة , أما الأم فقد كانت دائمة الخوف والشفقة والألم على مستقبل هذا الصبي , فقد ودت لو لم يولد قط , وأما بقية أخوته فقد أتخذوه أضحوكة , فكانوا دائمى السخرية من علته تلك .

 وذات يوم قرر الأب بالإتفاق مع بقية الأسرة أن يتخلصوا من ذلك الصبي الذى شكل عبئاً ثقيلاً على كاهلهم , ووافقت الأم على هذا القرار فقد كانت تتألم لرؤية ذلك الصبي  يتعذب في تلك الحياة البائسة, فقرر الأب أن يلقى به في وسط الصحراء القاحلة ويترك مصيره للخالق , فأخذه ذات يوم إلى ذلك المكان الموحش النائي , وتركه وحيداً على أمل أن يتخلص منه للأبد .

ترك الصبي وحيداً وسط  تلك الصحراء القاسية , وقد أستنتج أن الأب يقوم بإختباره , فقد كان دائماً يختبر أخوته بتلك الإختبارات الصعبة حتى يميزمنهم القوي من الضعيف. لقد رغب بالعمل مع أسرته من فترة طويلة ولكن لم يكن أحداً يسمح بحدوث مثل هذا الأمر , لكنه لا يعلم لماذا؟ ... هل لسنه الصغيرة ؟... كان يعلم أن يداه لا تقدرعلى رفع الأحمال , وكان يدرك أيضاً انه بطئ بعض الشئ في الإنتقال من مكان إلى آخر ... ولكنه كان يأمل أن تتحسن حالته في المستقبل .

كان الجو شديد الحرارة , وكانت أشعة الشمس حارقة , ولم يكن يدري في أى إتجاه عليه أن يسلك ... لقد بدأ يشعر بالعطش ... لكنه ظل ينقل قدميه في بطء حتى حل الظلام , وإنقلب الجو وأصبح شديد البرودة , وبدأت الأمطار الغزيرة بالهطول , وبدأ الجوع يتسلل إلى معدته الخاوية , وكذلك بدأ الخوف  عندما سمع عواء قطيع  الذئاب القابع أمامه.
استلقى على الرمال الباردة  وهومبلل الثياب واهن القوى يرتجف في خوف من تلك الوحوش المتجولة أمامه, وخامره ذلك المزيج من الخوف والألم واليأس, وكان على وشك البكاء ... فأختلطت دموع عينيه بدموع السماء ... وظل ينتحب طوال الليل .


مرر أسبوع كامل منذ أن تركه أبوه , وكاد أن يلقى حتفه من شدة الجوع والإعياء  ولكن نباتات الصحراء الشائكة أبقته على قيد الحياة , أما البرد فكاد يفتك به في المساء ولكنه أستطاع أن يتوارى كلما وجد كهف من الكهوف المخيفة المظلمة, و أما عن العطش فقد أستطاع أن يروى ظمئه من تلك الحبيبات الصغيرة من المياه التى وجدها على هذه النباتات الشائكة في صباح كل يوم .
كان يتألم في صمت , لقد أنتظرعودة والده كثيراً ولكن دون جدوى ... وكان الأمرالغريب أن الذئاب و الضباع الجائعة لم تهامجه قط بل تركته يمضى أينما ذهب . وفي اليوم الثامن أستطاع رويئة بعض البيوت , فقد أقبلت ملامح المدينة , فأرتسمت على وجه إبتسامة عريضة , ولكنه عجز تماماً عن مواصلة السير , فمنى نفسه  بأن عليه أن يجر قدميه قليلاً حتى يصل إلى منزل والديه.
بلغ أخيراً منزل والديه الخشبي في منتصف المساء ... وطرق الباب عدة طرقات , فقام الأب بفتح الباب , فوجد الغلام الصغير يرتجف ,وهو خائر القوى يقول بصوت متعلثم  واهن "أبي ... لقد نجحت في الإختبار ... هل أستطيع العمل معك في المزرعة  ؟"...وكانت هذه كلامته الأخيرة...



الثلاثاء، 5 يوليو 2011

البئر


تعجز عن تذكر أى شئ  ... كان هناك ذلك الضوء الواهن في الأعلى ... تدرك أنك غارق في مياه عميقة مظلمة وأنك محاط بالصخور من كل النواحي كأنها دائرة مغلقة ضيقة كنت أنت مركزها . بدأت الألوان كلها تتلاشى إلى اللون الأسود ... تحاول صعود تلك البئر العميقة المظلمة  كأنك تصعد إلى فوهة بركان ... تنجح ... فتتسلق الصخوركحشرة تتجول على حائط صخرى , حتى تقترب من الحافة , فتنزلق قدماك وتهوى إلى الأسفل ... تحاول كرةً آخرى ولكنك تتعثر كلما أقتربت من بلوغ حدود البئرالعلوية , تكرر العملية في يأس ... تتوقف في الأخير... لقد خارت قواك , ولم تعد تشعر بأطرافك بعد الآن ... كان هناك ذلك الألم الذي نشأ من إستمرار تمسكك بالأمل ... ولكن في نهاية المطاف تستسلم , و تترك جسدك ليلتهمه ذلك البئر المظلم و تأخذ أنفاسك الأخيرة ...
 غطت المياه عينيك ثم غطت رأسك بالكامل ... رئتيك على وشك الإنفجار , ولكنها لم تنفجر بعد , جسدك يستمر في الهبوط أسفل القاع  بصورة منتظمة ... تعجز عن التنفس بالكامل , تعجز أيضاً عن فقدان الوعى ...
ترى تلك الصور المتقطعة التى لا تمثل شيئاً ذو معنى , لست على يقين من حالتك العقلية الآن , فإنك لاتدرى أفقدت الوعى أم لا ... يستمر الألم , ولكنك لاتدرى أتصرخ في ألم ؟ أم أنك تتألم في صمت ؟ ... ثم جالت ببالك تلك الخاطرة الأخيرة ... لقد كونت تلك الجزيئات الصغيرة من الصور ذلك المشهد المتحرك , مشهد شبيه بالمكان الحالى ... لقد رأيت نفسك تسبح إلى الأسفل حيث الظلام , ولكنك تبدأ برؤية شعاع من ضوء ضعيف قادم من مكان ما , تسبح نحو الضوء الذي بدأ يقترب ... توشك رئيتك على الإنفجار ... تتألم في صمت ولكنك تستمر في الصعود نحو ذلك الضوء الذي أقترب أكثر فأكثر ... لقد بلغت السطح .
تطفو على السطح , تملأك السعادة  , فأخيراً أصاب الذى الشئ الخفى الذي يدفعك للقيام بالأمورالأكثر غموضاً... تملأ صدرك بمخزون من الهواء , تستجمع قواك من جديد , تتجول عينيك في الإتجاهات الأربعة ... ولكنها لا تدرك شيئاً سوى اللون الأزرق ... لقد صرت محاصراً بالمياه من كل جانب ولم تستطع رؤية اليابسة قط , وتتسائل في دهشة ... " في أى أتجاه على أن أسلك ... ؟"



الثلاثاء، 24 مايو 2011

الصحراء


في البداية... علمت السماء بأن هذه الأرض ستصير هالكة في يوم من الأيام لذا ظلت تبكى لقرون عديدة لأنها كانت البقعة الأكثر جمالاً على وجه البسيطة , فنمت فيها أشجار الفاكهة بهيجة المنظر وافرة الثمار , ونمت أيضاً أزهار مشابكة الأيدي تلونت بألوان زاهية ذكية الرائحة , وكان لون الأراضى الخضراء الذي تداخلت فيه ألوان الزهور الفيحاء يبعث السعادة في النفوس , ومع مرور السنين نست السماء أمر هذه الأرض تدريجياً فلم تعد تبكى كالسابق, فقل العشب الأخضر وتحولت الأزهار إلى أشواك  , ولكن ظلت السماء تنتحب في صمت حتى توقفت تماماً , ومعها تحولت البقية الباقية من العشب الأخضر إلى حبوب من الرمال الصفراء الخشنة باهتة اللون, وخلت الأرض من جميع المخلوقات إلا بعض نباتات الصبار ذات الأشواك القاسية .





الأحد، 22 مايو 2011

الخفاش والغراب والنسر


الخفاش :

في البداية ... كان الخفاش حيوان صغير الجسم جميل الهيئة شبيهاً بالسناجيب الرشيقة جميلة المظهر. فكان يعبر الأراضى في رشاقة وخفة , وكان يتميز بنظره الحاد وبعنيه اللامعتين الجميلتين , ولكن بالرغم من مظهره البديع  , ظل ساخطاً على كونه لا يستطيع الطيران , فقد أراد التميز عن هذه الحيوانات البلهاء التى تمرح تحت أغصان الغابة ,وتمنى أن يطير مبتعداً عن هؤلاء الحمقى , فقد تمنى أن لو كان له أجنحة.
 و ذات ظهيرة وهو جالس في حزن ينظر إلى السماء , أقترب منه الهدهد يسأله في دهشة عما أصابه, فقال له أنه يسخط على كونه خفاشاً ضئيل الحجم لا يستطيع الطيران مثله , فقال الهدهد : أن الله قد خلقك في أحسن صورة فلا داعي للسخط , وأكمل الهدهد : ولكن إذا أردت الحصول على شئ فعليك أن تدعو الله , فهو مستجاب الدعوة , ولكني أنصحك أن تدعو بحكمة و بما هو يفيد .  أما الخفاش فظل يدعو الله كل يوم في سخط أن يهبه أجنحة و أن يجعله الحيوان الوحيد القادر على الطيران , وأن يتميز عن هؤلاء الحمقى القابعون تحت شجيرات الغابة. وذات يوم أستجاب الله لهذه الدعوة , فنمت له أجنحة , وأنطلق يحلق في الغابة في زهو يتملق الحيوانات الآخرى , وسرعان ما شاهدته النسور و بقية الجوارح حتى أقبلت عليه في سرعة مخيفة بمخالبها القوية , ولكنه أستطاع الفرار بأعجوبة . وفي اليوم التالى تكرر مشهد مطاردة الجوارح الذي ألقى في قلبه الرعب , وبسبب هذه الطيور المخيفة , لم يستطع الحصول على الطعام في الصباح أبداً حيث تربصت به هذه الجوارح المهلكة قاسية الملامح, فظل يعيش في كهف معتم , يخرج للأصطياد في المساء فقط , أما في الصباح فكان يختبئ في كهفه المظلم , و مع مرور الأيام نسيت عينيه الشعور بالضوء تماماً , حتى أصيب بالعمى ,وتحولت عينيه إلى تلك الشبيهة بعيون الموتى , وتأثر جلده أيضاً بفقدان الشمس , فتحول لونه إلى اللون الأسود .

الغراب :

في البداية ... كان الغراب ناصع البياض , يتخلل جسده الجميل بعض الريش الذهبي , و تميز أيضاً بصوته العذب الغناء الذي أستمتعت به كل حيوانات الغابة , وذات صباح أقبل طائر أصفر اللون بديع المظهر , يحلق في السماء الزرقاء الصافية ويغرد مبتهجاً بصوت عذب جميل محبب إلى النفوس ,فأدهش هذا الطائر الغريب جميع حيوانات الغابة , ولكن ملأت الغيرة والكراهية  قلب الغراب , الذى أنتظر حتى أقبل المساء , وقام بالإنقضاض على هذا الطائر الضعيف , فقتله ودفنه أسفل شجرة الكستناء العجوز التى فقدت أوراقها . وأقبل الصباح وتساءلت حيوانات الغابة عن غياب الطائر الأصفر البديع , فأسرع الغراب بالرد على أنه شاهده يذهب إلى دياره في المساء , ولكن تعجب الجميع من صوت الغراب الذي أصبح غليظاً منفراً, وأيضاً من مظهره القبيح فقد تحول لونه إلى اللون الاسود , أما الريش الذهبي الذي غطى رقبته , تحول إلى لون رمادي كئيب كلون الغبار , ومنذ ذلك اليوم لم يعد الغراب أبداً كما كان , وكان مصدر أزعاج لجميع حيوانات الغابة بسبب صوته الكئيب الشبيه بصوت حيوان هالك , وأيضاً من مظهره التعس الذي بعث الإنقباض في القلوب , وهجر الغراب الغابة , وعاش على أحجار القبور .

النسر :

في البداية ... كان النسر حيواناً ضعيفاً صغير الحجم , ولكنه كان حاد المزاج , عزيز النفس , وأدت طباعه الغليظة  أن جعلته منبوذاً  من بقية الطيور , حتى هجر الغابة وعاش بعيداً على أعالى الجبال . وذات صباح عندما أخذ يحلق في الأراضى البعيدة , أبصر بنظره الحاد أسراب الجراد البائس التى أخذت تقضى على الأخضر واليابس , فمحت كل الأراضى الخضراء التى مرت فى طريقها , وأخذت تقترب من الغابة . فهم  النسر بجسده الضعيف و جناحيه الواهنين بالإسراع إلى الغابة البعيدة حتى يحذر كل من فيها من الخطر المقترب . وقاول بكل ما يملكه من قوة حتى كاد أن يلقى حتفه من كثرة الإجهاد , ولكنه نجح في الأخير في الوصول إلى الغابة وتحذير الحيوانات من الخطر القادم , وبعدها سقط على الارض كالصخرة , وظن الجميع أنه قد لقى حتفه , ولكنهم أسرعوا بإعداد العدة للدفاع عن الغابة حتى أستطاعوا أن يصدوا الخطر تماماً , وأخذ الجميع بالإحتفال بهذا النصر العظيم , ولم ينكر الجميع فضل النسر في هذا الإنتصار, وقرورا تكريمه حتى مثواه الأخير , ولكن عندما توجهوا إلى جثته , وجدوه على قيد الحياة , والغريب أنهم لاحظوا تطور جسده الصغير الذي أصبح أكثر قوة, ولاحظوا أيضاً نمو جناحيه الذان صارا أكبر بأضعاف .


السبت، 14 مايو 2011

مملكة النمل



أنطلقت أسراب من النمل تقطع الشارع المقابل الذى يسير فيه الصراصير كبيرة الحجم , والتى تكدست عند مرور الفوج الأول, حتى أتيحت لهم فرصةً آخرى بعد أن أضاء أحد ما ضوء شمعة خضراء.


 تنوعت أشكال الصراصير ما بين ذات اللون الواحد والآخرى صاحبة المكعبات البيضاء والسوداء المتداخلة والتى يميزها شئ ما في مقدمة رؤسها , تتوقف هذه الصراصير لإخطاف بعض النمل البائس المنتظر في يأس كأنه يريد أن يلقي بنفسه تحت أقدام هذه الصراصيرالمسرعة كي يخفف عن نفسه وطأة الإنتظار, فكانت فلسفته في الحياة أن إنتظار الموت أسوء من الموت نفسه .


عبرت النملة ذات الشوارب الكثيفة مع السرب الذي يعبر الطريق فأتجهوا بالكامل تجاه ملكة النمل ذات المنظر البديع المميز صاحبة التاج الذهبي , تتبعوا خطواتها وهم في حالة من التنويم المغناطيسي وكانت ملامح الذهول والإعجاب مرتسمة على الوجوه كأنها لعنة ما أصابتهم . أما النملة ذات الشوارب الكثيفة أدركت خطر الإنسياق وراء هؤلاء الحمقى السائرون نايماً , وأدركت أيضاً مدى خطورة ملكة النمل وتأثيرها القاتل على العقول , فهمت بالإختباء في جحر من الجحور تراقب الموقف عن كثب , وسرعان ما أدركت أنها تختبأ في الموقع الخاطئ عندما سمعت صوت السحالي القادمة بسرعة مفرطة من خلال هذه الجحور المظلمة والتى كانت في منتصف طريقها تماماً , ولكن شاء القدر أن تبقى على قيد الحياة , فمرت السحالى بسلام .

خرجت النملة ذات الشوارب الكثيفة إلى الشارع مرة آخرى وقررت أن لا تبدى لملكة النمل إنتباهاً كأنها أحدى الصخور كئيبة المنظر القابعة وسط الطريق , أنتظرت ملكة النمل وخلفها مجموعة كبيرة من النمل المسير الذى تم السيطرة عليه تماماً وكانت الملكة في حالة من الزهو والإعجاب المفرط بجمالها الذي لم يسبق له مثيل , وحدث ما لم يكن في الحسبان إذ وقعت عيناها الساحرتين على النملة ذات الشوارب الكثيفة , ولكن الآخرى لم تبدى أى أهتمام و تظاهرت بالامبالاة مما جعل ملكة النمل تنطلق مبتعدة عن الطريق في إتجاه الجهة المقابلة حيث وقفت النملة ذات الشوارب التى تحاول جاهدة عدم الأكتراث ,أسرعت ملكة النمل الخطى تجاه النملة ذات الشوارب حتى كادت أن يسحقها بعض الصراصير المسرعة.

  
نجحت الملكة أخيراً في الوصول إليها وهى فى حالة ممزوجة من الضعف والإعجاب والإنبهار بهذه النملة . لم تبد النملة ذات الشوارب أى أهتمام بالملكة ونظرت في الإتجاه الآخر إلى مجموعة النمل الذاهلة المأسورة بسحر الملكة اللعين , حيث وقوفوا جميعاً دون حراك في قارعة الطريق , وسمعت أصوات تهشمهم تحت الصراصير العابرة القاسية , ولم يعد احد منهم على قيد الحياة , اما ملكة النمل حاولت أن تجذب أنتباهه في يأس , ولكنه ألتفت إليها في الأخير , فقالت الملكة : سيدي الملك ,هل يمكنك مساعدتى في حمل هذا العبء الثقيل و أشارت إلى تاجها الذهبى.  



الجمعة، 13 مايو 2011

الحطاب



ظن الحطاب بأنه فر من الجحيم وجلس في العراء يستنشق الغبار الناتج عن كوخه المحترق بعدما آلت كل محاولاته للسيطرة على الحريق بالفشل , فتلون وجه بلون الغبار حتى هاجمته عاصفة من السعال , وأنسالت دموعه على الأرض الطينية الرطبة .

لقد عمل حطاباً كأبيه , فكان يخرج كل صباح قبل طلوع الشمس حتى المغيب لجمع الحطب , وكان يقوم بهذا العمل الشاق في كل يوم من أيام حياته الرتيبة القاسية التى تكررت أيامها فكانت نسخة طبق الأصل من الأيام التى سبقت ولكنه كان يأمل بأن يكون لله خطط آخرى.

أعتاد الحطاب الذهاب إلى السوق في يوم الجمعة من كل أسبوع وقد حمل بغلته بحمل الأسبوع الماضى من الحطب , ثم يبيعه بثمن زهيد ويقبض على الدراهم القليلة بكلتا يديه فتعلو وجه أبتسامة عريضة يملأها الرضا .

وبينما هو جالس يتحسرعلى إحتراق الكوخ وضياع كل ما يملكه من حطام الدنيا , تذكر واقعة حدثت منذ أن كان صغيراً ورمى إليها بأصابع الإتهام لما وصل إليه الوضع الآن, فعندما كان غلاماً صغيراً أبصر معاناة والده العجوز في حمل الحطب الثقيل , وأشفق على ظهره المشوه المنحني , فشرع على أختراع عربة تدفع باليد حتى تيسر على أبيه عملية نقل الحطب , فعمل في الخفاء كل ليلة لمدة شهر كامل حتى جاء اليوم المنشود وصنع العربة .


وفي صباح يوم مشئوم بعد ليلة شاقة قد هاجمه فيها الأرق , عندما حانت لحظة خروج أبيه من الكوخ توقف أبوه لوهلة ثم سأله عن هذا الشئ الخشبي الكئيب الشبيه بتابوت متحرك , فأقبل أبنه موضحاً بأنه صنع له عربة خشبية لتعينه على نقل الحطب , فأبتسم أبوه قائلاُ :

" يابنى لو أراد الله لنا أن ننقل الحطب بالعربات , لجعل لنا عجلات بدلاً من الأرجل" وقام بحرق هذه العربة بعدما علم بأن لله خطط آخرى .  


و مرت السنوات ببطء كحيوان مجروح يزحف في ألم , ومات أبوه عندما بلغ أشده وصار شاب قوي البنية كالصخرة , وأرتسمت على وجه علامات البأس , و قضى اليوم تلو الأخر يجمع الحطب في شجاعة اليأس , وكان يملى النفس دائماً بيوم الذهاب إلى السوق والتفكير بما سيفعله بهذه الدراهم القليلة .


وذات يوم تراءت له ذات الفكرة التى جالت بخاطره وهو صغير , وقرر أن يعاود صنع تلك العربة من جديد لتخفف عليه مشقة حمل الحطب , فشرع يجمع الحطب في الصباح , و يعمل في صنع العربة في المساء .


 وفي ليلة مظلمة قد قرر القمر فيها الأختباء ,  تأخر الحطاب كثيراً في العمل حتى بلغ الليل منتصفه , وأستيقظت الرياح في تلك الليلة حتى كادت تعصف بالكوخ العتيق , فأغلق جميع النوافذ وأستعان بضوء الشمعة الشاحب كى يواصل عمله , ولكن لعب القدر لعبته القديمة فأمر الرياح بإختراق النافذة , و سقطت الشمعة بعيداً حتى بدأت النيران بالأنتشار السريع و بات من المستحيل السيطرة عليها .



تفحم الكوخ تماماً , وأشفقت السماء على الحطاب المسكين فهطلت أمطار غزيرة حتى توقفت في صباح اليوم التالى , وفي تلك الأثناء قرر الحطاب محاربة الهواجس التى أصابت عقله بالسؤال المحرم " لماذا ؟"  ...  لماذا أختاره القدر تحديداً وهو الشخص التعس الذى يملك بالكاد قوت يومه  ؟

أستطاع الحطاب الإنتصار على الجزع , وتحرك أخيراً من جلسته الساكنة وشرع يبحث وسط الحطام عن فأسه الحديدية الصدأة بعد أن قرر بأن يبدأ من جديد بعد أن طمأنته السكينة بأن لله خطط آخرى.

وفي أثناء بحثه أسفل أنقاض الكوخ وجد صندوق حديدي مطعم بنقوش غريبة مدفون أسفل آحدى الأرضيات المحطمة بفعل الحريق , ففتح الصندوق وهو في حالة من الذهول بعد أن كذب عيناه مراراً لما أبصر ... فقد ملأ الصندوق بالعملات الذهبية وأحتوى أيضاً على مختلف أنواع الجواهر والنفائس , ولم يكن صندوقاً واحداً فقد وجد العديد , مما جعله يشرع في بناء عربة آخرى حتى يستطيع نقل هذه الكنوز ... وعندها أيقن بأن لله خطط آخرى .


الثلاثاء، 26 أبريل 2011

في وقت ما


تمعن النظر في المرآة...تجزم أن مظهرك كان أفضل كثيراً في وقت ما , لكنك لا تتذكر الوقت تحديداً . ولكنه كان أفضل كثيراً ... ولكن ما الذي حدث ,ما سبب هذا السواد الذي أنبعث , ما سبب هذا الوجه الشاحب ذو الأبتسامة الذابلة ,كأنها رجل ضل طريقه في الصحراء القاحلة. لقد أصاب السواد المنطقة السفلى من عينك وأختفى ذلك البريق الذي كانت تتمتع بها دوماً , لقد أنعكست تعابير الدهشة من صورتك المشوهة كأنها لعنةً أصابت قوماً . وإذ فجأةً تعرف سبب ذلك الشحوب الذى بدا كمنزل متهاوى بنى من الطوب.فالحقيقة ان مظهرك الجيد لم يتغير أبداً, ولكنها إضاءة المكان التى تغيرت وأصبحت خافتة جداً .


الثلاثاء، 19 أبريل 2011

الأرواح


سمع صوت قوع أقدام خارج غرفته مصاحب لصوت امرأة تنتحب , تمالكته رعدةً ما , ولكنه تغلب على خوفه وفتح باب الغرفة , وعندها رأى زوجته و ابنته, فخامره ذلك الشعور الذي ينتابك وسط حطام سفينة. تكرر هذا المشهد مراراً في الأيام التالية , فمنذ ذلك الحادث الذي فقد فيه زوجته وابنته أكتسب القدرة على رؤية الأموات , وكان كلما أقترب منهما , مر كأنه طيف ولم يدركا وجوده أبداً , حتى أنه لم يستطع لمسهما كأنهما دخان كوخ محترق .لقد أستمع كل يوم إلى نحيب زوجته وهى محتضنة أبنته الصغيرة , حاول الحديث معها آلاف المرات ولكن دون جدوى كأنه يتحدث ولكن بلا صوت يذكر, مجرد تحريك لشفتيه للأعلى و الأسفل . في النهاية قرر أن يرحل عن ذلك المكان حتى لا تنفلت البقية الباقية من عقله وراء الأوهام . فقرر الذهاب إلى منزل والديه الذان توفيا منذ أعوام .
وصل أمام باب منزل والديه الخشبي , الذي تشقق وأصبح لونه كلون الأبل الصفراء , وقام بتحريك مفتاح ذلك المنزل الذى خلا من أى نشاط بشري لسنين طويلة بعد وفاة والديه, أطلق الباب صوت أستغاثة مكتومة كحيوان يعوي ,و لكنه أحس بالحنين عندما وطأت قدماه باب المنزل, كان البيت غارقاً في بحر من الأتربة , وعندما جلس على الأريكة ليسترح بعض الوقت , لمح شبح أمه وعندها تأكد تماماً من أن قدرته على رؤية الأموات ليست أوهام يصنعها عقله كما ظن, وعندما رأى أمه توقع أن لا تلاحظ وجوده  كما هوالحال مع أبنته وزوجته , ولكن ما حدث كان دون ذلك, لقد رأته أمه وقد علت شفتيها أبتسامة عريضة , وضمته أليها وهى تقول "مرحباً بك في الديار ... متى وصلت ؟ ".


السبت، 16 أبريل 2011

القطار


أخذك القطار في هذه الرحلة الطويلة العجيبة التى بدأت بالإستمتاع بالنظر إلى تلك السماء الزرقاء والشمس الساطعة و الأراضى الخضراء و الزهور الملونة من خلال نافذة العربة ذات الإطار الحديدي, حتى أقبلت ملامح مدينة مزدحمة , و تكاثرت بيوت متداخلة و شوارع مكتظة, وأرتفع ضجيج باعة أنشغلوا بعرض بضائعهم , ولكن القطار يمضى و يتوغل إلى أقصى المدينة , حيث دخان المصانع الأسود يلوث زرقة السماء , وترى الناس يسيرون كآلات في مجموعات منتظمة كئيبة , وقد نمت لحاهم وأتسخت وجوههم ذات النظرات البائسة .
يمضى القطار ويبطئ من سرعته بشكل ملحوظ, ويتجه تدريجياً نحو تلك الأراضى المقفرة , التى خلت من البشر و خلت من الأزهار والأشجار إلا تلك الأشجار متساقطة الأوراق , كما خلت أيضاً من الأبنية إلا تلك الصخور الكئيبة المتراصة كقطع الدومينو ذات النقوش المتآكلة .


الجمعة، 15 أبريل 2011

المرآة


عندما نظر في المرآة , وكانت هذه المرة الأولى منذ شهور , أصابته رعدة في جسده لما رآى , لقد عكس شعاع الضوء صورة كائن آخر ذو ملامح غير آدمية , أنتفض فزعاً مما رآى , وتنحى جانباً و هو في حالة من الهلع , و لكن الغريب أن الكائن الذي أبصره كان مفزوعاً هو الآخر .
 حاول الهروب و لكنه تعثر على هذه الأرض الزلقة , وألتوى كاحله , ولكنه عندما رمى برأسه إلى الوراء ليرى أذا كان هذا الكائن يلاحقه أم لا, لم يلمح شيئأً, وعندها قام مسرعاً وأغلق باب هذه الغرفة, وحمد الله الذي نجاه من هذا المخلوق غريب الملامح , وقرر أن لن يرتكب مثل هذه الحماقة مرةً آخرى.


السبت، 9 أبريل 2011

الزنزانة


كان الظلام مخيفاً في هذا السجن الحديدي, فقد أستحالت رؤية يديك , كل ما تستطيع رؤيته هى تلك الحشرات الفسفورية اللون المنتشرة حولك , فتصاب بالغثيان و ينتابك الشعور بالهلع , ولكنك تهدء في نهاية المطاف لأنه لا يوجد ما تستطيع عمله حيال ذلك , تبصر أشباحاً من الماضي , تكذبها ثم لا تكذبها , تتحدث معها و تتحدث معك , تخفف عنك وطأة الألم تارة و تشعرك بالخوف تارة ,تخشي على البقية الباقية من عقلك من الإنفلات وراء الأوهام .فتستلقى مضجعاً ... تحاول الإسترخاء , تتذكر الماضي وكيف كان , وكيف كنت متألقاً حين ذاك وكيف كانت الحياة جميلة و سعيدة و ملونة بألوان الطيف , ولكن هذا لم يكن إلا كذبة كبيرة يخلقها عقلك تعمل كنوع من أنواع المسكنات , لأن الظروف لم تكن أفضل حالأ من الآن .
لعبة دنيئة يلعبها العقل لمجرد أن يجعلك تعقد مقارنة غير عادلة بين الأوضاع آنذاك و الأوضاع الحالية و بالتالى الندم على ما فات و الرغبة في العودة بالزمن إلى الوراء , وهو المستحيل بعينه. تنساب الدموع من هذه الذكريات التى أخرجها عقلك للتو , ذكريات أعتبرتها ممحية في وقت ما , ذكريات لم يعد يجدى الندم عليها و التفكير فيها لأنها أصبحت شيئاً من الماضي. لقد لعب العقل هذه اللعبة القذرة  وتركك مع أشباح الماضى في هذه الزنزانة المظلمة , ولكنك تحاول أن تملى النفس ببعض الذكريات السعيدة الغير موجودة , ولكنك أيضاً لم تحاول النهوض أبداً وإلتماس الجدران , لم تحاول أبداً أكتشاف باب الزنزانة الذي يفصلك عن العالم الخارجي , وعلى العكس فقد أضعت الوقت في التوغل في الماضي الذي ولى , مع العلم بأنك ترى نصف الصورة فقط , لأن الواقع ليس ألمياً في كل الأحوال فباب الزنزانة كان 
مفتوح دائماً , ولكنك لم تشغل بالك بالبحث عنه, أو حتى لم تفكر في الأمر .

الخميس، 7 أبريل 2011

الجانب الآخر من النهر


وجد نفسه في هذه الأرض الجافة ذات الأشواك  والنباتات الزابلة , كان منهك القوى حيث تمكنت الآلام من جميع أعضاء جسده المتهالك الذي أصابه الأعياء الشديد , أستجمع قواه وحاول النهوض, فنجح بصعوبة في نهاية المطاف , نظر إلى نفسه و تأمل ثيابه البالية الرثة , كان ظهره منحنياً بشدة بسبب أثقال وأعباء الزمن , أما وجه فكانت تملأه تجاعيد الحياة , وكانت عيناه زابلتين يحيطها السواد من كل جانب .لم تكف يداه و قدماه عن الإرتجاف , أبصر بصعوبة شديدة , فقد كان خائر القوى لدرجة أنه فضل المكوث دون حراك حتى تتعفن جثته, لكنه قاوم و أستجمع قواه مرة آخرى , وعندها ألقى نظرة فاحصة على المكان المحيط , أبصر نهراً أمامه كما أبصر تلال خضراء على الجهة المقابلة من ذلك النهر , أتجهه نحوه فكانت مياهه صافية متلألئة , لقد رأى هذا المشهد عشرات المرات في أحلامه, رأى نفسه عائماً في هذه المياه إلى الجانب الأخر حيث أكتست الأراضى بالون الأخضر ,أما السماء فكانت زرقاء صافية, وكان عبق ورحيق الأزهار يملأ المكان ويشعرك بالسكينة ,أما ألوانها فكانت ساحرة تشعرك بالدفءبمجرد النظر إليها.

عبرأخيراً إلى الجهة المقابلة من النهر و أغتسل من مياهه المتلألة , فعادت معه عافيته و قوته من جديد , لقد زال الألم , توقفت يداه عن الإرتعاش ,زال الشعور بالبرد , أختفت الندوب و الحروق من جميع مواضع جسده , لقد بعث من جديد إلى عالم بلا ألم أو مرض أو برد أو ظلام أو حزن أو هم أو كآبة .



الأربعاء، 9 فبراير 2011

الطارق


أرتفع صوت طرقات عالية على هذا الباب الخشبي أسود اللون , وعندها قام شاب في منتصف العمرمفزوعاً من نوم عميق , كان في هذه الحالة التى لا يستطيع فيها المرء التمييز بين الواقع والأحلام , وأسرع بمعرفة صاحب هذه الطرقات المزعجة التي أزعجت نومه الهادئ , ففوجئ برجلين , طوال القامة , عريضي المناكب , وجهوههم صارمة ذات ملامح مخيفة,و طالبوه بالذهاب معهم لإستجوابه .أدرك الشاب على الفور أنهم من جهةٍ أمنيةٍ ما ,وعندما هم بالتسائل عن نوع الجريمة التي أرتكبها , أكتشف انه لا يتذكر شيئاً على الإطلاق , فقد أصيب بفقدان ذاكرة مفاجئ, ولم يستطيع الإعتراض وقرر الإمتثال لطلبهم , فقد كان أكثر ما يخشاه هو إرتكابه لمجموعة من الجرائم قبيل فقدانه لذاكرته, وأقتاده الرجلين إلى عربة سوداء غريبة المنظر,وكانت الشوارع حينذاك خالية تماماً من المارة, وعندما أطل برأسه من زجاج العربة , تعجب من لون السماء, فلم يستطيع تمييز الوقت, أم هو الفجر؟ أم هو الغروب؟... وتعجب أيضاً من منظر السحاب ومن لونه الداكن الذي كان أقرب إلى السواد , وبينما هو سارح فى أفكاره , بدأ  يتذكر بعض الأشياء تدريجياً , تذكر أمه المريضة التى لم يراها منذ شهور, تذكر أيضاً ديونه المتراكمة , وتذكر الصلاة التى فرط فيها منذ عقود ... وقطع حبل أفكاره ذلك الشخص الذي رآه ماراً في الطريق , فقد كان يعرفه جيداً , فكان هذا الشخص هو أبوه.

وأندهش تماماً من رؤيته لأبيه في هذا الوقت الذي خلت فيه الشوارع من المارة وتلبدت فيه الغيوم , و لم تكن هذه أكبر علامات الإستفهام , ولكن العلامة الكبرى تمثلت في  كيفية رؤيته لأبيه الذي مات منذ سنوات .