الثلاثاء، 26 أبريل 2011

في وقت ما


تمعن النظر في المرآة...تجزم أن مظهرك كان أفضل كثيراً في وقت ما , لكنك لا تتذكر الوقت تحديداً . ولكنه كان أفضل كثيراً ... ولكن ما الذي حدث ,ما سبب هذا السواد الذي أنبعث , ما سبب هذا الوجه الشاحب ذو الأبتسامة الذابلة ,كأنها رجل ضل طريقه في الصحراء القاحلة. لقد أصاب السواد المنطقة السفلى من عينك وأختفى ذلك البريق الذي كانت تتمتع بها دوماً , لقد أنعكست تعابير الدهشة من صورتك المشوهة كأنها لعنةً أصابت قوماً . وإذ فجأةً تعرف سبب ذلك الشحوب الذى بدا كمنزل متهاوى بنى من الطوب.فالحقيقة ان مظهرك الجيد لم يتغير أبداً, ولكنها إضاءة المكان التى تغيرت وأصبحت خافتة جداً .


الثلاثاء، 19 أبريل 2011

الأرواح


سمع صوت قوع أقدام خارج غرفته مصاحب لصوت امرأة تنتحب , تمالكته رعدةً ما , ولكنه تغلب على خوفه وفتح باب الغرفة , وعندها رأى زوجته و ابنته, فخامره ذلك الشعور الذي ينتابك وسط حطام سفينة. تكرر هذا المشهد مراراً في الأيام التالية , فمنذ ذلك الحادث الذي فقد فيه زوجته وابنته أكتسب القدرة على رؤية الأموات , وكان كلما أقترب منهما , مر كأنه طيف ولم يدركا وجوده أبداً , حتى أنه لم يستطع لمسهما كأنهما دخان كوخ محترق .لقد أستمع كل يوم إلى نحيب زوجته وهى محتضنة أبنته الصغيرة , حاول الحديث معها آلاف المرات ولكن دون جدوى كأنه يتحدث ولكن بلا صوت يذكر, مجرد تحريك لشفتيه للأعلى و الأسفل . في النهاية قرر أن يرحل عن ذلك المكان حتى لا تنفلت البقية الباقية من عقله وراء الأوهام . فقرر الذهاب إلى منزل والديه الذان توفيا منذ أعوام .
وصل أمام باب منزل والديه الخشبي , الذي تشقق وأصبح لونه كلون الأبل الصفراء , وقام بتحريك مفتاح ذلك المنزل الذى خلا من أى نشاط بشري لسنين طويلة بعد وفاة والديه, أطلق الباب صوت أستغاثة مكتومة كحيوان يعوي ,و لكنه أحس بالحنين عندما وطأت قدماه باب المنزل, كان البيت غارقاً في بحر من الأتربة , وعندما جلس على الأريكة ليسترح بعض الوقت , لمح شبح أمه وعندها تأكد تماماً من أن قدرته على رؤية الأموات ليست أوهام يصنعها عقله كما ظن, وعندما رأى أمه توقع أن لا تلاحظ وجوده  كما هوالحال مع أبنته وزوجته , ولكن ما حدث كان دون ذلك, لقد رأته أمه وقد علت شفتيها أبتسامة عريضة , وضمته أليها وهى تقول "مرحباً بك في الديار ... متى وصلت ؟ ".


السبت، 16 أبريل 2011

القطار


أخذك القطار في هذه الرحلة الطويلة العجيبة التى بدأت بالإستمتاع بالنظر إلى تلك السماء الزرقاء والشمس الساطعة و الأراضى الخضراء و الزهور الملونة من خلال نافذة العربة ذات الإطار الحديدي, حتى أقبلت ملامح مدينة مزدحمة , و تكاثرت بيوت متداخلة و شوارع مكتظة, وأرتفع ضجيج باعة أنشغلوا بعرض بضائعهم , ولكن القطار يمضى و يتوغل إلى أقصى المدينة , حيث دخان المصانع الأسود يلوث زرقة السماء , وترى الناس يسيرون كآلات في مجموعات منتظمة كئيبة , وقد نمت لحاهم وأتسخت وجوههم ذات النظرات البائسة .
يمضى القطار ويبطئ من سرعته بشكل ملحوظ, ويتجه تدريجياً نحو تلك الأراضى المقفرة , التى خلت من البشر و خلت من الأزهار والأشجار إلا تلك الأشجار متساقطة الأوراق , كما خلت أيضاً من الأبنية إلا تلك الصخور الكئيبة المتراصة كقطع الدومينو ذات النقوش المتآكلة .


الجمعة، 15 أبريل 2011

المرآة


عندما نظر في المرآة , وكانت هذه المرة الأولى منذ شهور , أصابته رعدة في جسده لما رآى , لقد عكس شعاع الضوء صورة كائن آخر ذو ملامح غير آدمية , أنتفض فزعاً مما رآى , وتنحى جانباً و هو في حالة من الهلع , و لكن الغريب أن الكائن الذي أبصره كان مفزوعاً هو الآخر .
 حاول الهروب و لكنه تعثر على هذه الأرض الزلقة , وألتوى كاحله , ولكنه عندما رمى برأسه إلى الوراء ليرى أذا كان هذا الكائن يلاحقه أم لا, لم يلمح شيئأً, وعندها قام مسرعاً وأغلق باب هذه الغرفة, وحمد الله الذي نجاه من هذا المخلوق غريب الملامح , وقرر أن لن يرتكب مثل هذه الحماقة مرةً آخرى.


السبت، 9 أبريل 2011

الزنزانة


كان الظلام مخيفاً في هذا السجن الحديدي, فقد أستحالت رؤية يديك , كل ما تستطيع رؤيته هى تلك الحشرات الفسفورية اللون المنتشرة حولك , فتصاب بالغثيان و ينتابك الشعور بالهلع , ولكنك تهدء في نهاية المطاف لأنه لا يوجد ما تستطيع عمله حيال ذلك , تبصر أشباحاً من الماضي , تكذبها ثم لا تكذبها , تتحدث معها و تتحدث معك , تخفف عنك وطأة الألم تارة و تشعرك بالخوف تارة ,تخشي على البقية الباقية من عقلك من الإنفلات وراء الأوهام .فتستلقى مضجعاً ... تحاول الإسترخاء , تتذكر الماضي وكيف كان , وكيف كنت متألقاً حين ذاك وكيف كانت الحياة جميلة و سعيدة و ملونة بألوان الطيف , ولكن هذا لم يكن إلا كذبة كبيرة يخلقها عقلك تعمل كنوع من أنواع المسكنات , لأن الظروف لم تكن أفضل حالأ من الآن .
لعبة دنيئة يلعبها العقل لمجرد أن يجعلك تعقد مقارنة غير عادلة بين الأوضاع آنذاك و الأوضاع الحالية و بالتالى الندم على ما فات و الرغبة في العودة بالزمن إلى الوراء , وهو المستحيل بعينه. تنساب الدموع من هذه الذكريات التى أخرجها عقلك للتو , ذكريات أعتبرتها ممحية في وقت ما , ذكريات لم يعد يجدى الندم عليها و التفكير فيها لأنها أصبحت شيئاً من الماضي. لقد لعب العقل هذه اللعبة القذرة  وتركك مع أشباح الماضى في هذه الزنزانة المظلمة , ولكنك تحاول أن تملى النفس ببعض الذكريات السعيدة الغير موجودة , ولكنك أيضاً لم تحاول النهوض أبداً وإلتماس الجدران , لم تحاول أبداً أكتشاف باب الزنزانة الذي يفصلك عن العالم الخارجي , وعلى العكس فقد أضعت الوقت في التوغل في الماضي الذي ولى , مع العلم بأنك ترى نصف الصورة فقط , لأن الواقع ليس ألمياً في كل الأحوال فباب الزنزانة كان 
مفتوح دائماً , ولكنك لم تشغل بالك بالبحث عنه, أو حتى لم تفكر في الأمر .

الخميس، 7 أبريل 2011

الجانب الآخر من النهر


وجد نفسه في هذه الأرض الجافة ذات الأشواك  والنباتات الزابلة , كان منهك القوى حيث تمكنت الآلام من جميع أعضاء جسده المتهالك الذي أصابه الأعياء الشديد , أستجمع قواه وحاول النهوض, فنجح بصعوبة في نهاية المطاف , نظر إلى نفسه و تأمل ثيابه البالية الرثة , كان ظهره منحنياً بشدة بسبب أثقال وأعباء الزمن , أما وجه فكانت تملأه تجاعيد الحياة , وكانت عيناه زابلتين يحيطها السواد من كل جانب .لم تكف يداه و قدماه عن الإرتجاف , أبصر بصعوبة شديدة , فقد كان خائر القوى لدرجة أنه فضل المكوث دون حراك حتى تتعفن جثته, لكنه قاوم و أستجمع قواه مرة آخرى , وعندها ألقى نظرة فاحصة على المكان المحيط , أبصر نهراً أمامه كما أبصر تلال خضراء على الجهة المقابلة من ذلك النهر , أتجهه نحوه فكانت مياهه صافية متلألئة , لقد رأى هذا المشهد عشرات المرات في أحلامه, رأى نفسه عائماً في هذه المياه إلى الجانب الأخر حيث أكتست الأراضى بالون الأخضر ,أما السماء فكانت زرقاء صافية, وكان عبق ورحيق الأزهار يملأ المكان ويشعرك بالسكينة ,أما ألوانها فكانت ساحرة تشعرك بالدفءبمجرد النظر إليها.

عبرأخيراً إلى الجهة المقابلة من النهر و أغتسل من مياهه المتلألة , فعادت معه عافيته و قوته من جديد , لقد زال الألم , توقفت يداه عن الإرتعاش ,زال الشعور بالبرد , أختفت الندوب و الحروق من جميع مواضع جسده , لقد بعث من جديد إلى عالم بلا ألم أو مرض أو برد أو ظلام أو حزن أو هم أو كآبة .