الأحد، 6 مايو 2012

القطيع


كان القطيع المكون من آلاف الخراف يعيش في سلام في أسفل الوادي , فكان يتغذي على الكلأ و المرعى , وكان قائد القطيع ذو الفرو الكثيف الذي غطى أيضاً معظم وجهه شبيهاً بشيخ ملتحى . بالرغم من أنه لم يكن أكبرهم سناً, ولم يكن أيضاً  أفصحهم قولاً ولا أكثرهم حكمة , ولكن خدمه إيمان معظم القطيع بتلك الأسطورة القديمة التى أوجبت عليهم إتخاذ الشاه الأوفر فرواً قائداً لهم , فأتبعوه بلا تفكير .

وذات صباح كان قائد القطيع يتجول وحيداً في زهو , فقد كان معجباً بنفسه أشد العجب فهو القائد لآلاف الخراف الذي نصبته في مكانة شبيهه بمكانة الآلهة , و بيمنا هو تائه في سحابة من الأفكار السعيدة , فوجئ بذئب يرتجف , فأصيب بخوف مفاجئ يشبه الصاعقة , و أصيب أيضاً بالدهشة لرؤية ذلك الذئب يرتجف أمامه في خوف . ولكنه أستجمع قواه و خاطب الذئب " هل أنت على ما يرام ؟ " .

كان ذئباً ضخماً ذو جسد قوى مفتول العضلات , فأجابه الذئب: " نعم يا مولاي ... ولكني لم أقصد أن أتجول في مملكتك ... إني فقط عابر سبيل " .
تلاشت نوبة الفزع لدى قائد القطيع عند سماعه لتلك الكلمات , و أستطرد في زهو : " لا بأس ... كيف يمكن لقائد القطيع أن يقدم خدماته للذئب المسكين ؟ "
فأقبل الذئب قائلاً : " أريد العفو يا مولاي " . و باغته متعجباً : " هل أنت قائد ذلك القطيع المهول الذي يتجول طليقاً في الأراضي الشاسعة القابعة وراء الوادي ؟ "
لم يتمكن قائد القطيع من الإجابة على الفور , لأنه لم يكن يعلم بوجود قطيع آخر وراء ذلك الوادي ... فلم يغادر ذلك الوادي قط منذ ولادته مثل معظم القطيع , ولم يكن يعلم ما وراء تلك الجبال ... و لكن أستطرد في ثقة : " بالفعل  ... أصبت " .

وأستأذن الذئب من قائد القطيع بالرحيل , و بعدها غرق قائد القطيع في دوامة من الأحلام أنتهت بأتخاذه ذلك القرار بالذهاب إلى تلك الأراضي الشاسعة وراء الوادي , فقد أراد أن يكتسب المزيد من التابعيين , فقد كان على يقين بأنهم سيتخذونه قائداً كما أتخذه ذلك القطيع البائس ... ومن ثم توسيع دائرة ملكه .

أمر قائد القطيع  جميع الخراف بإعداد العدة للرحيل من ذلك المكان  و الذهاب إلى الأراضي الخضراء الشاسعة وراء ذلك الوادي , فأنتابت موجة من الحماس معظم أفراد القطيع  وهموا بإعداد العدة , ولكنه فوجئ بتلك الشاه النحيفة تعترض على ذلك القرار , فأقبلت قائلة  : " أيها القوم ... أن العشب يقل تدريجياً في الإتجاه الذي تنوون الإنطلاق فيه , حتى يختفي كلياً حيث الصحراء القاحلة ... ولماذا أيضاً الرحيل عن ذلك الوادي ذو العشب الوفير في المقام الأول ...  !!! ؟ " .

أهتزت ثقة قائد القطيع بعد سماع تلك الكلمات , ولكنها سرعان ما عادت بعد أن قام معظم القطيع بإتهام تلك الشاه النحيفة بقصر النظر , والبله , والجهل و الكفر و الهرطقة , وأقبلوا مسرعين ليلحقوا بقائدهم الذي شرع في الرحيل , ولم يبقى في الوادي إلا تلك الشاه و قلة قليلة آخرى , وأصبحت تلك الفئة القليلة عرضة لأي هجوم نظراً لعددهم الواهن .

أستمرت رحلة القطيع لأيام دون أن يصلوا إلى الأراضي الخضراء الشاسعة , فلقى عدد كبير منهم حتفه من الإعياء, و كلما تقدموا قل العشب الأخضر تدريجياً حتى أنعدم تماماً , وبالرغم من كل تلك الوقائع , لم يملك أحداً من القطيع الجرأة الكافية للتفكير في عواقب الأمور , فلم يجرؤ أحداً للنظر إلى السماء  , وأكتفت كل شاه بإتباع من يليها ثم من يليها وصولاً إلى قائد القطيع في الأمام , التى كانت أحلام العثور على تلك الأراضي تراوده بشدة , حتى فاجأه ذلك الذئب الذي رأه منذ أيام , فأصاب الذعر معظم القطيع , ولكنهم ثبتوا عندما أقبل قائدهم مسرعاً إلى الذئب يناديه في ثقة مصحوبة بالغضب  : " أيها الذئب ... ماذا تفعل في تلك الأراضي ؟ " ... فأقبل الذئب مسرعاُ : " عفواً أيها القائد ... لقد كنت في مهمة من قبل جماعتي " .
فأستطرد قائد القطيع قائلاً : " مهمة  ... أية مهمة ؟ " .
فأجاب الذئب : " أني وريث عرش مملكة الذئاب ,  وحتى أنال العرش , أرسلتني جماعتى في أختبار".
فأجاب قائد القطيع هازئاً : " أي أختبار ... هل تنوي مصارعة الأسود , أم القبض على فيل حي و إرساله إلى جماعتك  " .
أبتسم الذئب في خبث : " في مملكة الذئاب المظهر والقوة الجسدية ليست مقياس القيادة ... ولكني  نجحت في الإختبار بالفعل " .
أستطرد قائد القطيع قائلاً : " أطيب التهاني ... عليك الآن الغروب عن وجهى لأني في عجلة من أمري ... ولكن أنتظر , أنك لم تخبرني بالإختبار بعد أيها الملتوي " .
أبتسم الذئب : " لقد كان الإختبار يكمن في إطعام مملكة الذئاب بالكامل , وهم اللآن بصدد الحصول على طعام يكفيهم لأسابيع قادمة  ... مرحباً بك في مملكة الذئاب" .