الأربعاء، 26 سبتمبر 2012

المجازر الحكومية الآلية ترحب بكم


الحكومة :

أصبحت الحكومة الائتلافية الجديدة على مشارف أزمة متفاقمة , فبعد عدة ثورات متتالية لم تسفر عن أي تغيير سوي تغيير بعض الوجوه القديمة كي لا يشعر المواطن بالضجر , كانت الحكومة تحاول جاهدة لإيجاد حلول غير تقليدية لأزمة الغذاء وخاصة أزمة اللحوم التى تصاعدت أسعارها إلى أضعاف مما أثار حالة من السخط لدى المواطنين الأبرياء الذين تظاهر منهم الكثير وقرروا الإعتصام حتى إيجاد حلول سريعة .

خطرت للحكومة فكرة سحرية عندما قررت تشكيل لجنة من كبار العلماء وأعيان المجتمع الذين قرروا بإجازة إدخال لحوم الحمير إلى قائمة طعام المواطن لسد العجز , بعد أن تأكدوا من أن تلك اللحوم لا تسبب أي تلف عقلي لدي تناولها من قبل المواطنين الشرفاء .

ونظراً لجودة الحمير التى تمتلكها البلاد ونظراً لتوفرهم بكثرة , أخذت المجازر الآلية الحكومية تعمل من جديد بكامل طاقتها لإستيعاب الأعداد الوفيرة .


المواطن :

كان المواطن أيمن زهدي مواطناً مثالياً , فكان يقرأ الصحف القومية بإنتظام دائم لمدة تزيد عن الخمسة عشرعاماً , وكان يملك سجلاً مشهوداً بإنه لم يقدم على شراء أياً من صحف المعارضة ولو مرة في حياته .

قضي أيمن زهدي معظم وقته في ممارسة رياضة المشي بجوار الحائط , حتى أصبحت هوايته المفضلة بجانب مشاهدته للقنوات التليفزيونية الحكومية .

ذات يوم أستيقظ أيمن زهدي على صوت طرقات متتالية فأقبل على باب مسكنه وعندها فوجئ بقوة من أفراد الشرطة تهنئه بفوزه بجائزة المواطن المثالي , وأن عليه الحضور لحفل التكريم الضخم الذي نظمته الدولة ... وأن الحضور إجباري .

أرتدى أيمن زهدي سترته المفضلة ونفض الغبار عن حذائه بسفنجة ميتة , وأنطلق يتبع أفراد الشرطة وهو يشعر بالفخر , فأصطحبوه إلى مقر الإحتفالية الكبرى الذي كان في مكان نائي بعض الشيئ .

 فوجئ أيمن زهدي بالأعداد الغفيرة , وأكتشف أن الخير لم يمت في تلك البلاد لأنها ملأى بالمواطنين الصالحين أمثاله .

تقدم أيمن زهدي ببطء في صفه الذي كان يتحرك كثعبان مصاب بالجزام , ولم يكن هو الصف الوحيد فكانت هناك عشرات الصفوف المكونة من مجموعات أخرى من المواطنين الشرفاء .

تمكن أخيراً أيمن زهدي من الوصول إلى باب الدخول , ولكن أصابته حيرة بالغة عندما رفعه ناظريه إلى أعلى ليرى لافتة سوداء ضخمة ملطخة بدهان أبيض باهت اللون رسمت عليها  " المجازر الحكومية الآلية ترحب بكم ... " .




الاثنين، 24 سبتمبر 2012

بعد تحطم الآلة


بعدما تحطمت الآلة , وظن الجميع أن نهاية العالم قد أوشكت , خرج الأب مع أبنه الصغير يتفقدون الحطام وكانوا من الناجين القلائل من تلك الأحداث المأساوية الهائلة , فسأل الصغير أباه في تحفز :  "أبي ... أريد أن أرى البحر "
فأجابه الأب بإبتسامة باهتة : " لم تعد هناك بحار في تلك الأنحاء ... لقد جفت جميعاً  ".

فعبس وجهه الطفل ولاحظ الأب الحزن الشديد البادى على أبنه الصغير وأقبل الأب يحدثه محاولاً أن يبعث عليه بعض السرور: " في الماضي كانت هناك سماء زرقاء , وشمس ذهبية و أراضي تكسوها اللون الأخضر " , فقاطعه الطفل متعجباً في دهشة :" ما هو اللون الأخضر ... ! ؟ "

أرتسمت علامات الحيرة على وجه الأب , فأردف قائلاً : " أنه لون الأشجار التى كانت موجودة في وقت مضى قبل تدمير الكوكب".

 فباغته الطفل :" ما سبب تدمير الكوكب ... ؟"

شخص الأب بناظريه إلى الأفق الأعلى , وأقبل موضحاً :

" لقد تم إحتلال الكوكب من قبل كائنات مريعة تتغذي على أحلام بنو البشر بعد أن ظن الإنسان لقرون عديدة أنه على قمة السلسلة الغذائية وأنه سيد هذه الأرض , لكنه لم يكن يدرك الحقيقة , فكانت هناك كائنات آخرى تتغذى عليه في صمت وتلتهم روحه في نهم .

 لقد تمكنت تلك الكائنات من السيطرة علينا تماماً , فتركوا لنا أنماط لنتبعها وأوهام لنؤمن بها , فهم الذين أخبروننا كيف نلبس , نأكل , نتعلم ... ببساطة لقد أخبرونا كيف نعيش , ومن كان يخالف تلك الأنماط كان المجتمع يتهمه بالجنون أو الهرطقة ويصبح منبوذاً مذموماً , فتحولنا إلى عبيد للمادة حتى بدأ الخواء يسرى في عروقنا بدلاً من الدماء .

 وهم أيضاً الذين أخترعوا تلك المصطلحات الباهتة التى كان هدفها الأول تقسيم البشر , فهم الذين أبتكروا النظام العالمي الجديد , السياسات الخارجية , والأنظمة المالية وهم الذين قسموا الكوكب إلى بلدان وحدود ورفعوا فوق كل منطقة قطعة قماش ميتة على عمود صدأ , حتى أنتهى بنا المطاف إلى ما نحن عليه الآن .

ولكن الأمر المثير للسخرية هو قبل تدمير الكوكب كان الإنسان شديد الفخر بإكتشافه كل شبر على وجه البسيطة وإنطلاقه إلى الفضاء لإكتشاف كواكب آخرى ... , لكنه لم يقدم قط على إكتشاف أكثر الأماكن غموضاً ... فلم يقدم قط على إكتشاف نفسه .

أعلم أن كل الموراد التى كنا نستهلكها في وقت مضى قد نفذت , وأن كل الأدوات التى كنا نستخدمها قد تحطمت , ولكن الآداة الأكثر قوة والأكثر تأثيراً لا تزال موجودة , ولكن عليك فقط أن تزيح عنها بعض الأتربة .... فالأداة الأقوى منذ أن خلق الله هذا الكون هى القدرة على التخيل ... ".

بعدما فرغ الأب من حديثه , أقبل الطفل إليه مسرعاً في فرح عندما وجد قوقعة مدفونة تحت الرمال فوضعها عند أذنيه قائلاً : "أبي ... لقد وجدت البحر محبوساً في تلك القوقعة "... وأنطلق يحتفل بإكتشافه الجديد .





الأربعاء، 19 سبتمبر 2012

رسالة الإستغاثة الأولى بعدما توقفت الآلة عن العمل


لقد أصبحنا عالقين في معدة تلك الآلة الكريهة التى بدأت تنزف حتى الموت دماً أسود اللون نافذ الرائحة , ولم يتبقى لنا طعام بعد أن فسد معظمه بعد تخزينه لسنين طويلة دون دافع أساسي سوى هزيمة شبح الجوع هزيمة ساحقة , ولكن سرعان ما تبدلت الأمور فأنتهى بنا المطاف بأن الأشياء التى كنا نمتلكها في وقت مضى , باتت تمتلكنا بالكامل وصارت تلتهم أرواحنا في نهم .
وزاد الأمر بلة عندما رفضت الأرض أن تعطينا المزيد , فكان السبيل الوحيد المتاح للإستمرار هو التهام بعضنا البعض . ولم ينتهى الأمر عند هذا الحد , فبدأ البرد يزحف في بطء معلنا ً نهاية حقبة زمنية مشوهة قد ساد فيها الإنسان , و قرر أن يتغذى على أطرافنا بعدما نفذت كل وسائل التدفئة , فلم تعد هناك أشجار لنقتلعها بعد الآن لتكون وقوداً لنار التدفئة , فهربت الطيور من سمائنا , ولكن الشمس لم تجزع وظلت تشرق كل صباح ...

الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

عندما أراد الملك رفيع الشأن الطيران


ألقى الملك عظيم الشأن جميع علماء عصره في سجن حجري كئيب لأنهم ساهموا بنشر نوع من البلبلة مع كل إكتشاف علمي جديد فحكموا بتهمة زعزعة الإستقرار التى كانت بمثابة تهمة الخيانة العظمى في عصور مضت.

كان الملك رفيع الشأن مغرم بفكرة الطيران لدرجة أفقدته فيها حكمته عندما قرر تغيير وسيلة الإعدام من الموت شنقاً إلى القذف من أعلى الجبل , وأنتهى به المطاف بأنه تأكد تماماً من عدم إستطاعة بنو البشر على الطيران , وقرر أن يسلك مسالك آخرى .

بعدما نجح الملك بالقضاء على كل الجواسيس الذين هددوا هيبة الدولة , أستجوب الملك رفيع الشأن طائر أبيض اللون ضعيف الجسم بعدما تم سجنه في قفص مظلم تغزوه الرطوبة لإجباره على الإعتراف بسر قدرته على الطيران , فلم يفلح معه الملك و أمر بإلقاءه في قدر مغلى حتى يستسلم ويبدأ بالإفصاح عن سر قد حيره  لسنوات عديدة حتى تساقط شعر رأسه المربعة .

لفظ الطائر الضعيف أنفاسه الأخيرة بعد ما تم إلقاءه في القدر مباشرة ولم يلفظ بأدنى شيئ إلا ببعض الصيحات المتألمة , فجن جنون الملك و أمر بجلب كبير علماء المملكة من السجن المشدد و إجباره على تفسير سر الطيران العجيب .

بالرغم من كونه ميتاً أكثر من كونه حياً , أستجمع كبير علماء المملكة قواه ليقف صلباً في وجه ذلك الملك المتغطرس عندما أمره الملك بتفسير تلك الظاهرة العجيبة , فأستطرد كبير العلماء قائلاً: " أن الأمر بغاية البساطة  كى تتمكن من الطيران فعليك أن تؤمن بأن الله قد خلق لك أجنحةً بدلاً من الأذرع ".

 فأقبل الملك متسائلاً :" وكيف أؤمن بأني أمتلك أجنحة ؟"

 فأقبل كبير العلماء على فتح نافذة من نوافذ القاعة و أكمل : "كل ما عليك هو الوقوف بالقرب من النافذة والتأمل إلى السماء عنئذ ستحلق بلا قيود".

 شكك الملك من صحة تفسير كبير العلماء ولكنه قرر أخيراً بأن يحاول , وعندما وقف تجاه النافذة و نظر للسماء , باغته كبير العلماء بسرقة خنرجه الذهبى وقطع به عنق الملك الذي نما له جناحين أسودين وطار يتفقد السماء البعيدة .