الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

القعيد


لم يكن يتذكر تماماً ما سر المرض الذي أصابه وهو فى الخامسة من العمر لأنه حين ذاك لم يكن يشكو من أية آلام أو حتى أعراض , ولكنه فوجئ ذات يوم وهو في المدرسة بمجموعة من المعلمين الذين ألتفوا من حوله و أجبروه على أن يجلس على كرسى متحرك ذو عجلات متآكلة , فأخبروه بأنه مريض و أن عليه الإستجابة للعلاج , ومن منذ ذلك اليوم لم يفارق ذلك الكرسي , فلم يكن ليتحرك بدونه .

ومرت سنوات عديدة لا يتذكرها تحديداً , ولكنه كان موقن بأنه لم يعش بما يكفى أو أنه لم ينل حياة على الإطلاق , فبدأ شعره يتحول ببطء إلى اللون الأبيض , وبدأ ذلك الكرسي المتحرك بالتهاوى تدريجياً .

 وذات صباح عندما قرر عبور الطريق إلى الجانب الآخر ليتوجه للعمل فوجئ بشحاذ مشرد يبتسم له في ثقة فكان مظهره أقرب إلى مجنون شارد أو بروفيسور متمرس ذو عينين لامعتين يشق منهما بريق شديد ينم عن ذكاء خارق قد أودى بصاحبه إلى التهلكة , فأقبل منادياً :

" أيها القعيد ... هل أنت تائه ..؟"

أنفعل القعيد من وقاحة ذلك المتوسل , فلم يكن وقع كلمة قعيد يبعث عليه السرور , ولكنه حاول الإنطلاق مسرعاً ليتفادى ذلك الأخرق ولكن أستوقفته كلمات المتسول :

" هل تعلم الخديعة الكبرى ... كلنا تائهون ... فقد أخبرونا بأننا نسبح ...ّ"

- فأقبل القعيد قائلاً : " وماذا تظن نحن فاعلون .. ؟ !"

- أجاب المتسول بثبات مجرم محكوم عليه بالموت شنقاً : " نحن نطفوا ..." .  
وأقبل المتسول مردفاً : " منذ متى وأنت في ذلك القفص الحديدي ..؟

- تسائل القعيد : " عن ما تسأل أيها الأخ ...؟

- المتسول : " عن الكرسي "

- أستسلم القعيد قائلاً :" أنه منذ الأيام الأولى التى وطأت قدماى المدرسة عندما كنت طفلاً صغيراً" .

- تحولت نبرات المتسول إلى الجدية , فأردف قائلاً : " أعرني أنتباهك أيها الرفيق ... أن قدميك تستطيع الوقوف ... بل تستطيع المشي وقد تتمكن من الركض لاحقاً ... ولكن عليك فقط بأن تعطيها الإشارة "


وعندها أستيقظ القعيد من سبات مظلم عندما سمع صوت المنبه المزعج الشبيه بصفير آلة تتعذب , وتذكر بأن عليه الإسراع بالذهاب إلى العمل كى لا يخصم منه أجر يوماً ككل مرة يصل متأخراً , و أن عليه أن يصلح كرسيه المتحرك الذى عفا عليه الزمن كى يتمكن من الصمود , وتمني أن تفارقه تلك الكوابيس المريبة التى تطارده منذ فترة والتي تسببت كثيراً في إزعاجه و إرباك أفكاره ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق