الخميس، 7 يوليو 2011

الأعرج


نشأ هذا الصبي في أسرة من الأسر المعدمة التى تملك بالكاد قوتها اليومي , فقد شارك جميع أفراد الأسرة في العمل الشاق في المزرعة الصغيرة التى كانت مصدر رزقهم الوحيد .
كان الصبي الأصغر في تلك الأسرة الفقيرة الكادحة التى تكونت من أب وأم وسبعة أبناء. وكان له وجه جميلاً صبوحاً بالرغم من إعاقته تلك , فقد ولد بمرض نادر أصاب جهازهه العصبي , أجبره على أن يمشى منحني الظهر , مقوس الأرجل يجر القدم الأولى وراء الثانية جراً , أما يديه فكانت في حالة إرتعاش دائم , ولم يختلف أسلوبه في الحديث عن أسلوبه في المشي , فكان ينطق بصعوبة بكلام متعلثم غير مفهوم . ونظراً لعلته , لم يشارك الصبي الصغير في تلك الأعمال , فقد كان عاجزاً عن تقديم أى نوع من العون والمساعدة ,فحركته كانت بصعوبة شديدة أما يديه فقدت كانت غير قادرة على حمل شيئاً .

لم يحب الأب هذا الطفل كثيراً , فقد تطلبت رعايته الكثير من الوقت والجهد والمال الذي كان يحصل عليه في مشقة , أما الأم فقد كانت دائمة الخوف والشفقة والألم على مستقبل هذا الصبي , فقد ودت لو لم يولد قط , وأما بقية أخوته فقد أتخذوه أضحوكة , فكانوا دائمى السخرية من علته تلك .

 وذات يوم قرر الأب بالإتفاق مع بقية الأسرة أن يتخلصوا من ذلك الصبي الذى شكل عبئاً ثقيلاً على كاهلهم , ووافقت الأم على هذا القرار فقد كانت تتألم لرؤية ذلك الصبي  يتعذب في تلك الحياة البائسة, فقرر الأب أن يلقى به في وسط الصحراء القاحلة ويترك مصيره للخالق , فأخذه ذات يوم إلى ذلك المكان الموحش النائي , وتركه وحيداً على أمل أن يتخلص منه للأبد .

ترك الصبي وحيداً وسط  تلك الصحراء القاسية , وقد أستنتج أن الأب يقوم بإختباره , فقد كان دائماً يختبر أخوته بتلك الإختبارات الصعبة حتى يميزمنهم القوي من الضعيف. لقد رغب بالعمل مع أسرته من فترة طويلة ولكن لم يكن أحداً يسمح بحدوث مثل هذا الأمر , لكنه لا يعلم لماذا؟ ... هل لسنه الصغيرة ؟... كان يعلم أن يداه لا تقدرعلى رفع الأحمال , وكان يدرك أيضاً انه بطئ بعض الشئ في الإنتقال من مكان إلى آخر ... ولكنه كان يأمل أن تتحسن حالته في المستقبل .

كان الجو شديد الحرارة , وكانت أشعة الشمس حارقة , ولم يكن يدري في أى إتجاه عليه أن يسلك ... لقد بدأ يشعر بالعطش ... لكنه ظل ينقل قدميه في بطء حتى حل الظلام , وإنقلب الجو وأصبح شديد البرودة , وبدأت الأمطار الغزيرة بالهطول , وبدأ الجوع يتسلل إلى معدته الخاوية , وكذلك بدأ الخوف  عندما سمع عواء قطيع  الذئاب القابع أمامه.
استلقى على الرمال الباردة  وهومبلل الثياب واهن القوى يرتجف في خوف من تلك الوحوش المتجولة أمامه, وخامره ذلك المزيج من الخوف والألم واليأس, وكان على وشك البكاء ... فأختلطت دموع عينيه بدموع السماء ... وظل ينتحب طوال الليل .


مرر أسبوع كامل منذ أن تركه أبوه , وكاد أن يلقى حتفه من شدة الجوع والإعياء  ولكن نباتات الصحراء الشائكة أبقته على قيد الحياة , أما البرد فكاد يفتك به في المساء ولكنه أستطاع أن يتوارى كلما وجد كهف من الكهوف المخيفة المظلمة, و أما عن العطش فقد أستطاع أن يروى ظمئه من تلك الحبيبات الصغيرة من المياه التى وجدها على هذه النباتات الشائكة في صباح كل يوم .
كان يتألم في صمت , لقد أنتظرعودة والده كثيراً ولكن دون جدوى ... وكان الأمرالغريب أن الذئاب و الضباع الجائعة لم تهامجه قط بل تركته يمضى أينما ذهب . وفي اليوم الثامن أستطاع رويئة بعض البيوت , فقد أقبلت ملامح المدينة , فأرتسمت على وجه إبتسامة عريضة , ولكنه عجز تماماً عن مواصلة السير , فمنى نفسه  بأن عليه أن يجر قدميه قليلاً حتى يصل إلى منزل والديه.
بلغ أخيراً منزل والديه الخشبي في منتصف المساء ... وطرق الباب عدة طرقات , فقام الأب بفتح الباب , فوجد الغلام الصغير يرتجف ,وهو خائر القوى يقول بصوت متعلثم  واهن "أبي ... لقد نجحت في الإختبار ... هل أستطيع العمل معك في المزرعة  ؟"...وكانت هذه كلامته الأخيرة...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق