الاثنين، 24 سبتمبر 2012

بعد تحطم الآلة


بعدما تحطمت الآلة , وظن الجميع أن نهاية العالم قد أوشكت , خرج الأب مع أبنه الصغير يتفقدون الحطام وكانوا من الناجين القلائل من تلك الأحداث المأساوية الهائلة , فسأل الصغير أباه في تحفز :  "أبي ... أريد أن أرى البحر "
فأجابه الأب بإبتسامة باهتة : " لم تعد هناك بحار في تلك الأنحاء ... لقد جفت جميعاً  ".

فعبس وجهه الطفل ولاحظ الأب الحزن الشديد البادى على أبنه الصغير وأقبل الأب يحدثه محاولاً أن يبعث عليه بعض السرور: " في الماضي كانت هناك سماء زرقاء , وشمس ذهبية و أراضي تكسوها اللون الأخضر " , فقاطعه الطفل متعجباً في دهشة :" ما هو اللون الأخضر ... ! ؟ "

أرتسمت علامات الحيرة على وجه الأب , فأردف قائلاً : " أنه لون الأشجار التى كانت موجودة في وقت مضى قبل تدمير الكوكب".

 فباغته الطفل :" ما سبب تدمير الكوكب ... ؟"

شخص الأب بناظريه إلى الأفق الأعلى , وأقبل موضحاً :

" لقد تم إحتلال الكوكب من قبل كائنات مريعة تتغذي على أحلام بنو البشر بعد أن ظن الإنسان لقرون عديدة أنه على قمة السلسلة الغذائية وأنه سيد هذه الأرض , لكنه لم يكن يدرك الحقيقة , فكانت هناك كائنات آخرى تتغذى عليه في صمت وتلتهم روحه في نهم .

 لقد تمكنت تلك الكائنات من السيطرة علينا تماماً , فتركوا لنا أنماط لنتبعها وأوهام لنؤمن بها , فهم الذين أخبروننا كيف نلبس , نأكل , نتعلم ... ببساطة لقد أخبرونا كيف نعيش , ومن كان يخالف تلك الأنماط كان المجتمع يتهمه بالجنون أو الهرطقة ويصبح منبوذاً مذموماً , فتحولنا إلى عبيد للمادة حتى بدأ الخواء يسرى في عروقنا بدلاً من الدماء .

 وهم أيضاً الذين أخترعوا تلك المصطلحات الباهتة التى كان هدفها الأول تقسيم البشر , فهم الذين أبتكروا النظام العالمي الجديد , السياسات الخارجية , والأنظمة المالية وهم الذين قسموا الكوكب إلى بلدان وحدود ورفعوا فوق كل منطقة قطعة قماش ميتة على عمود صدأ , حتى أنتهى بنا المطاف إلى ما نحن عليه الآن .

ولكن الأمر المثير للسخرية هو قبل تدمير الكوكب كان الإنسان شديد الفخر بإكتشافه كل شبر على وجه البسيطة وإنطلاقه إلى الفضاء لإكتشاف كواكب آخرى ... , لكنه لم يقدم قط على إكتشاف أكثر الأماكن غموضاً ... فلم يقدم قط على إكتشاف نفسه .

أعلم أن كل الموراد التى كنا نستهلكها في وقت مضى قد نفذت , وأن كل الأدوات التى كنا نستخدمها قد تحطمت , ولكن الآداة الأكثر قوة والأكثر تأثيراً لا تزال موجودة , ولكن عليك فقط أن تزيح عنها بعض الأتربة .... فالأداة الأقوى منذ أن خلق الله هذا الكون هى القدرة على التخيل ... ".

بعدما فرغ الأب من حديثه , أقبل الطفل إليه مسرعاً في فرح عندما وجد قوقعة مدفونة تحت الرمال فوضعها عند أذنيه قائلاً : "أبي ... لقد وجدت البحر محبوساً في تلك القوقعة "... وأنطلق يحتفل بإكتشافه الجديد .





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق