أرتفع صوت طرقات عالية على هذا الباب الخشبي أسود اللون , وعندها قام شاب في منتصف العمرمفزوعاً من نوم عميق , كان في هذه الحالة التى لا يستطيع فيها المرء التمييز بين الواقع والأحلام , وأسرع بمعرفة صاحب هذه الطرقات المزعجة التي أزعجت نومه الهادئ , ففوجئ برجلين , طوال القامة , عريضي المناكب , وجهوههم صارمة ذات ملامح مخيفة,و طالبوه بالذهاب معهم لإستجوابه .أدرك الشاب على الفور أنهم من جهةٍ أمنيةٍ ما ,وعندما هم بالتسائل عن نوع الجريمة التي أرتكبها , أكتشف انه لا يتذكر شيئاً على الإطلاق , فقد أصيب بفقدان ذاكرة مفاجئ, ولم يستطيع الإعتراض وقرر الإمتثال لطلبهم , فقد كان أكثر ما يخشاه هو إرتكابه لمجموعة من الجرائم قبيل فقدانه لذاكرته, وأقتاده الرجلين إلى عربة سوداء غريبة المنظر,وكانت الشوارع حينذاك خالية تماماً من المارة, وعندما أطل برأسه من زجاج العربة , تعجب من لون السماء, فلم يستطيع تمييز الوقت, أم هو الفجر؟ أم هو الغروب؟... وتعجب أيضاً من منظر السحاب ومن لونه الداكن الذي كان أقرب إلى السواد , وبينما هو سارح فى أفكاره , بدأ يتذكر بعض الأشياء تدريجياً , تذكر أمه المريضة التى لم يراها منذ شهور, تذكر أيضاً ديونه المتراكمة , وتذكر الصلاة التى فرط فيها منذ عقود ... وقطع حبل أفكاره ذلك الشخص الذي رآه ماراً في الطريق , فقد كان يعرفه جيداً , فكان هذا الشخص هو أبوه.
وأندهش تماماً من رؤيته لأبيه في هذا الوقت الذي خلت فيه الشوارع من المارة وتلبدت فيه الغيوم , و لم تكن هذه أكبر علامات الإستفهام , ولكن العلامة الكبرى تمثلت في كيفية رؤيته لأبيه الذي مات منذ سنوات .