كان القطيع المكون من آلاف الخراف يعيش في سلام في أسفل الوادي , فكان
يتغذي على الكلأ و المرعى , وكان قائد القطيع ذو الفرو الكثيف الذي غطى أيضاً معظم
وجهه شبيهاً بشيخ ملتحى . بالرغم من أنه لم يكن أكبرهم سناً, ولم يكن أيضاً أفصحهم قولاً ولا أكثرهم حكمة , ولكن خدمه إيمان
معظم القطيع بتلك الأسطورة القديمة التى أوجبت عليهم إتخاذ الشاه الأوفر فرواً
قائداً لهم , فأتبعوه بلا تفكير .
وذات صباح كان قائد القطيع يتجول وحيداً في زهو , فقد كان معجباً بنفسه أشد
العجب فهو القائد لآلاف الخراف الذي نصبته في مكانة شبيهه بمكانة الآلهة , و بيمنا
هو تائه في سحابة من الأفكار السعيدة , فوجئ بذئب يرتجف , فأصيب بخوف مفاجئ يشبه
الصاعقة , و أصيب أيضاً بالدهشة لرؤية ذلك الذئب يرتجف أمامه في خوف . ولكنه أستجمع
قواه و خاطب الذئب " هل أنت على ما يرام ؟ " .
كان ذئباً ضخماً ذو جسد قوى مفتول العضلات , فأجابه الذئب: " نعم يا
مولاي ... ولكني لم أقصد أن أتجول في مملكتك ... إني فقط عابر سبيل " .
تلاشت نوبة الفزع لدى قائد القطيع عند سماعه لتلك الكلمات , و أستطرد في
زهو : " لا بأس ... كيف يمكن لقائد القطيع أن يقدم خدماته للذئب المسكين ؟
"
فأقبل الذئب قائلاً : " أريد العفو يا مولاي " . و باغته متعجباً
: " هل أنت قائد ذلك القطيع المهول الذي يتجول طليقاً في الأراضي الشاسعة
القابعة وراء الوادي ؟ "
لم يتمكن قائد القطيع من الإجابة على الفور , لأنه لم يكن يعلم بوجود قطيع
آخر وراء ذلك الوادي ... فلم يغادر ذلك الوادي قط منذ ولادته مثل معظم القطيع , ولم
يكن يعلم ما وراء تلك الجبال ... و لكن أستطرد في ثقة : " بالفعل ... أصبت " .
وأستأذن الذئب من قائد القطيع بالرحيل , و بعدها غرق قائد القطيع في دوامة
من الأحلام أنتهت بأتخاذه ذلك القرار بالذهاب إلى تلك الأراضي الشاسعة وراء الوادي ,
فقد أراد أن يكتسب المزيد من التابعيين , فقد كان على يقين بأنهم سيتخذونه قائداً كما أتخذه ذلك القطيع البائس ... ومن ثم توسيع دائرة ملكه .
أمر قائد القطيع جميع الخراف
بإعداد العدة للرحيل من ذلك المكان و
الذهاب إلى الأراضي الخضراء الشاسعة وراء ذلك الوادي , فأنتابت موجة من الحماس معظم أفراد القطيع وهموا بإعداد العدة , ولكنه فوجئ بتلك الشاه النحيفة تعترض على ذلك القرار , فأقبلت قائلة : " أيها القوم ... أن العشب يقل تدريجياً
في الإتجاه الذي تنوون الإنطلاق فيه , حتى يختفي كلياً حيث الصحراء القاحلة ...
ولماذا أيضاً الرحيل عن ذلك الوادي ذو العشب الوفير في المقام الأول ... !!! ؟ " .
أهتزت ثقة قائد القطيع بعد سماع تلك الكلمات , ولكنها سرعان ما عادت بعد أن
قام معظم القطيع بإتهام تلك الشاه النحيفة بقصر النظر , والبله , والجهل و الكفر و
الهرطقة , وأقبلوا مسرعين ليلحقوا بقائدهم الذي شرع في الرحيل , ولم يبقى في
الوادي إلا تلك الشاه و قلة قليلة آخرى , وأصبحت تلك الفئة القليلة عرضة لأي هجوم
نظراً لعددهم الواهن .
أستمرت رحلة القطيع لأيام دون أن يصلوا إلى الأراضي الخضراء الشاسعة , فلقى
عدد كبير منهم حتفه من الإعياء, و كلما تقدموا قل العشب الأخضر تدريجياً حتى أنعدم
تماماً , وبالرغم من كل تلك الوقائع , لم يملك أحداً من القطيع الجرأة الكافية
للتفكير في عواقب الأمور , فلم يجرؤ أحداً للنظر إلى السماء , وأكتفت كل شاه بإتباع من يليها ثم من يليها
وصولاً إلى قائد القطيع في الأمام , التى كانت أحلام العثور على تلك الأراضي
تراوده بشدة , حتى فاجأه ذلك الذئب الذي رأه منذ أيام , فأصاب الذعر معظم القطيع ,
ولكنهم ثبتوا عندما أقبل قائدهم مسرعاً إلى الذئب يناديه في ثقة مصحوبة بالغضب : " أيها الذئب ... ماذا تفعل في تلك
الأراضي ؟ " ... فأقبل الذئب مسرعاُ : " عفواً أيها القائد ... لقد كنت
في مهمة من قبل جماعتي " .
فأستطرد قائد القطيع قائلاً : " مهمة ... أية مهمة ؟ " .
فأجاب الذئب : " أني وريث عرش مملكة الذئاب , وحتى أنال العرش , أرسلتني جماعتى في
أختبار".
فأجاب قائد القطيع هازئاً : " أي أختبار ... هل تنوي مصارعة الأسود ,
أم القبض على فيل حي و إرساله إلى جماعتك
" .
أبتسم الذئب في خبث : " في مملكة الذئاب المظهر والقوة الجسدية ليست
مقياس القيادة ... ولكني نجحت في الإختبار
بالفعل " .
أستطرد قائد القطيع قائلاً : " أطيب التهاني ... عليك الآن الغروب عن
وجهى لأني في عجلة من أمري ... ولكن أنتظر , أنك لم تخبرني بالإختبار بعد أيها
الملتوي " .
أبتسم الذئب : " لقد كان الإختبار يكمن في إطعام مملكة الذئاب بالكامل
, وهم اللآن بصدد الحصول على طعام يكفيهم لأسابيع قادمة ... مرحباً بك في مملكة الذئاب" .