الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

عندما أراد الملك رفيع الشأن الطيران


ألقى الملك عظيم الشأن جميع علماء عصره في سجن حجري كئيب لأنهم ساهموا بنشر نوع من البلبلة مع كل إكتشاف علمي جديد فحكموا بتهمة زعزعة الإستقرار التى كانت بمثابة تهمة الخيانة العظمى في عصور مضت.

كان الملك رفيع الشأن مغرم بفكرة الطيران لدرجة أفقدته فيها حكمته عندما قرر تغيير وسيلة الإعدام من الموت شنقاً إلى القذف من أعلى الجبل , وأنتهى به المطاف بأنه تأكد تماماً من عدم إستطاعة بنو البشر على الطيران , وقرر أن يسلك مسالك آخرى .

بعدما نجح الملك بالقضاء على كل الجواسيس الذين هددوا هيبة الدولة , أستجوب الملك رفيع الشأن طائر أبيض اللون ضعيف الجسم بعدما تم سجنه في قفص مظلم تغزوه الرطوبة لإجباره على الإعتراف بسر قدرته على الطيران , فلم يفلح معه الملك و أمر بإلقاءه في قدر مغلى حتى يستسلم ويبدأ بالإفصاح عن سر قد حيره  لسنوات عديدة حتى تساقط شعر رأسه المربعة .

لفظ الطائر الضعيف أنفاسه الأخيرة بعد ما تم إلقاءه في القدر مباشرة ولم يلفظ بأدنى شيئ إلا ببعض الصيحات المتألمة , فجن جنون الملك و أمر بجلب كبير علماء المملكة من السجن المشدد و إجباره على تفسير سر الطيران العجيب .

بالرغم من كونه ميتاً أكثر من كونه حياً , أستجمع كبير علماء المملكة قواه ليقف صلباً في وجه ذلك الملك المتغطرس عندما أمره الملك بتفسير تلك الظاهرة العجيبة , فأستطرد كبير العلماء قائلاً: " أن الأمر بغاية البساطة  كى تتمكن من الطيران فعليك أن تؤمن بأن الله قد خلق لك أجنحةً بدلاً من الأذرع ".

 فأقبل الملك متسائلاً :" وكيف أؤمن بأني أمتلك أجنحة ؟"

 فأقبل كبير العلماء على فتح نافذة من نوافذ القاعة و أكمل : "كل ما عليك هو الوقوف بالقرب من النافذة والتأمل إلى السماء عنئذ ستحلق بلا قيود".

 شكك الملك من صحة تفسير كبير العلماء ولكنه قرر أخيراً بأن يحاول , وعندما وقف تجاه النافذة و نظر للسماء , باغته كبير العلماء بسرقة خنرجه الذهبى وقطع به عنق الملك الذي نما له جناحين أسودين وطار يتفقد السماء البعيدة .


الأحد، 6 مايو 2012

القطيع


كان القطيع المكون من آلاف الخراف يعيش في سلام في أسفل الوادي , فكان يتغذي على الكلأ و المرعى , وكان قائد القطيع ذو الفرو الكثيف الذي غطى أيضاً معظم وجهه شبيهاً بشيخ ملتحى . بالرغم من أنه لم يكن أكبرهم سناً, ولم يكن أيضاً  أفصحهم قولاً ولا أكثرهم حكمة , ولكن خدمه إيمان معظم القطيع بتلك الأسطورة القديمة التى أوجبت عليهم إتخاذ الشاه الأوفر فرواً قائداً لهم , فأتبعوه بلا تفكير .

وذات صباح كان قائد القطيع يتجول وحيداً في زهو , فقد كان معجباً بنفسه أشد العجب فهو القائد لآلاف الخراف الذي نصبته في مكانة شبيهه بمكانة الآلهة , و بيمنا هو تائه في سحابة من الأفكار السعيدة , فوجئ بذئب يرتجف , فأصيب بخوف مفاجئ يشبه الصاعقة , و أصيب أيضاً بالدهشة لرؤية ذلك الذئب يرتجف أمامه في خوف . ولكنه أستجمع قواه و خاطب الذئب " هل أنت على ما يرام ؟ " .

كان ذئباً ضخماً ذو جسد قوى مفتول العضلات , فأجابه الذئب: " نعم يا مولاي ... ولكني لم أقصد أن أتجول في مملكتك ... إني فقط عابر سبيل " .
تلاشت نوبة الفزع لدى قائد القطيع عند سماعه لتلك الكلمات , و أستطرد في زهو : " لا بأس ... كيف يمكن لقائد القطيع أن يقدم خدماته للذئب المسكين ؟ "
فأقبل الذئب قائلاً : " أريد العفو يا مولاي " . و باغته متعجباً : " هل أنت قائد ذلك القطيع المهول الذي يتجول طليقاً في الأراضي الشاسعة القابعة وراء الوادي ؟ "
لم يتمكن قائد القطيع من الإجابة على الفور , لأنه لم يكن يعلم بوجود قطيع آخر وراء ذلك الوادي ... فلم يغادر ذلك الوادي قط منذ ولادته مثل معظم القطيع , ولم يكن يعلم ما وراء تلك الجبال ... و لكن أستطرد في ثقة : " بالفعل  ... أصبت " .

وأستأذن الذئب من قائد القطيع بالرحيل , و بعدها غرق قائد القطيع في دوامة من الأحلام أنتهت بأتخاذه ذلك القرار بالذهاب إلى تلك الأراضي الشاسعة وراء الوادي , فقد أراد أن يكتسب المزيد من التابعيين , فقد كان على يقين بأنهم سيتخذونه قائداً كما أتخذه ذلك القطيع البائس ... ومن ثم توسيع دائرة ملكه .

أمر قائد القطيع  جميع الخراف بإعداد العدة للرحيل من ذلك المكان  و الذهاب إلى الأراضي الخضراء الشاسعة وراء ذلك الوادي , فأنتابت موجة من الحماس معظم أفراد القطيع  وهموا بإعداد العدة , ولكنه فوجئ بتلك الشاه النحيفة تعترض على ذلك القرار , فأقبلت قائلة  : " أيها القوم ... أن العشب يقل تدريجياً في الإتجاه الذي تنوون الإنطلاق فيه , حتى يختفي كلياً حيث الصحراء القاحلة ... ولماذا أيضاً الرحيل عن ذلك الوادي ذو العشب الوفير في المقام الأول ...  !!! ؟ " .

أهتزت ثقة قائد القطيع بعد سماع تلك الكلمات , ولكنها سرعان ما عادت بعد أن قام معظم القطيع بإتهام تلك الشاه النحيفة بقصر النظر , والبله , والجهل و الكفر و الهرطقة , وأقبلوا مسرعين ليلحقوا بقائدهم الذي شرع في الرحيل , ولم يبقى في الوادي إلا تلك الشاه و قلة قليلة آخرى , وأصبحت تلك الفئة القليلة عرضة لأي هجوم نظراً لعددهم الواهن .

أستمرت رحلة القطيع لأيام دون أن يصلوا إلى الأراضي الخضراء الشاسعة , فلقى عدد كبير منهم حتفه من الإعياء, و كلما تقدموا قل العشب الأخضر تدريجياً حتى أنعدم تماماً , وبالرغم من كل تلك الوقائع , لم يملك أحداً من القطيع الجرأة الكافية للتفكير في عواقب الأمور , فلم يجرؤ أحداً للنظر إلى السماء  , وأكتفت كل شاه بإتباع من يليها ثم من يليها وصولاً إلى قائد القطيع في الأمام , التى كانت أحلام العثور على تلك الأراضي تراوده بشدة , حتى فاجأه ذلك الذئب الذي رأه منذ أيام , فأصاب الذعر معظم القطيع , ولكنهم ثبتوا عندما أقبل قائدهم مسرعاً إلى الذئب يناديه في ثقة مصحوبة بالغضب  : " أيها الذئب ... ماذا تفعل في تلك الأراضي ؟ " ... فأقبل الذئب مسرعاُ : " عفواً أيها القائد ... لقد كنت في مهمة من قبل جماعتي " .
فأستطرد قائد القطيع قائلاً : " مهمة  ... أية مهمة ؟ " .
فأجاب الذئب : " أني وريث عرش مملكة الذئاب ,  وحتى أنال العرش , أرسلتني جماعتى في أختبار".
فأجاب قائد القطيع هازئاً : " أي أختبار ... هل تنوي مصارعة الأسود , أم القبض على فيل حي و إرساله إلى جماعتك  " .
أبتسم الذئب في خبث : " في مملكة الذئاب المظهر والقوة الجسدية ليست مقياس القيادة ... ولكني  نجحت في الإختبار بالفعل " .
أستطرد قائد القطيع قائلاً : " أطيب التهاني ... عليك الآن الغروب عن وجهى لأني في عجلة من أمري ... ولكن أنتظر , أنك لم تخبرني بالإختبار بعد أيها الملتوي " .
أبتسم الذئب : " لقد كان الإختبار يكمن في إطعام مملكة الذئاب بالكامل , وهم اللآن بصدد الحصول على طعام يكفيهم لأسابيع قادمة  ... مرحباً بك في مملكة الذئاب" .



الأحد، 26 فبراير 2012

الرجل الأبيض المتوسط


بدأ الرجل الأبيض المتوسط يتذكر وميض ذكرى شبه ممحية لأشباح كان معهم منذ دقائق عندما أستيقظ مفزوعاً على صوت المنبه الشبيه بنحيب طائر يحتضر, فأصطدمت عيناه بنور الصباح كمن يصطدم بشاحنة عملاقة عند عبور الطريق , وعندها تفوه فمه بالكلمات المعتادة " اللعنة ... لقد مازلت على قيد الحياة".

كان النوم هو الهواية المفضلة للرجل الأبيض المتوسط , فقد كان ينتمى إلى "عالم الأحلام" , حيث أختلفت قوانين هذا العالم إختلافاً كلياً عن العالم الواقعي , ففي هذا العالم فقط تستطيع مجالسة الموتى مرةً آخرى على الرغم من إختفائهم من حياتك منذ سنوات , وفي هذا العالم تختلف قوانين الزمن و الإنتقال و الجاذبية , والأهم في هذا العالم أن الشخص الذي تحب والشخص الذي يبادلك الحب هما الشخص ذاته .

لم يكن الرجل الأبيض المتوسط يحتك بالعالم الخارجي إلا في أقل المناسبات , ونشأ هذا القرار نتيجة الصدمات المتتالية التى تلقاها على عاتقه والتى حولته من شخص مثال للتفاؤل إلى هارب من الواقع , فكان يمضى أيامه يعمل من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءاً ... يذهب بعدها للمنزل ليتناول وجبة يومه الوحيدة يحتسي معها كوب من الشاى ... بعدها يهيأ نفسه للذهاب إلى الفراش والهروب من عالم اليقظة شديد السوء , فعقله المحمل بالذكريات السعيدة غير مؤهل بعد لإستيعاب الواقع المزرى بأن الأشياء لم تعد على ما يرام و أنه فقد الكثير في خلال السنوات القليلة الماضية .

وفي يوم من الأيام أراد الرجل الأبيض المتوسط  أن يواجه الواقع , فقد رغب بتغير العالم من أجل حياة أفضل ...فقرر الخروج إلى العالم الخارجي حيث توجد سيارات فارهة و أبنية كئيبة و شوارع مهملة وبشر يحتضرون وكائنات منتظرة موسم التزاوج , فتجول طليقاً يبحث عن الأجوبة , ولكنه توقف عندما اصطدم بلافتة ضخمة مغطاة بالصدأ وملطخة بخط غير متناسق حفرت به تلك الكلمات " مرحباً بك في عالم الأموات ".

كانت الصدمة قوية لدرجة أفقدته فيها الوعى , ولكنه أستيقظ في ألم على نداء إستغاثة خفي قادم من عالم لم يعهده من قبل , يتحسس المكان ليتعرف على البيئة المحيطة فأندهش بأن الأشياء الملموسة لم تعد بعد ذلك , وقررت الأوهام أن تندمج مع الحقيقية فتحول الاثنان إلى خليط مزعج أربك عقله , ومضات لأشباح من الماضي و أماكن مألوفة لكنه لا يتذكر أنه مر بها يوماً ... يرى مرآة مغطاة بالغبار يتوسطها صورة شبح غير واضحة المعالم ... ينزعج مرة آخرى لسبب آخر غير معلوم يشعره بالتعاسة , فقد كانت غريزته الأولى تقول بأنه في الجحيم, أما غريزته الثانية فتؤكد أن الشيطان يراقبه عن كثب, أما غريزته الثالثة فنبأته بأنه قد سقط إلى الهاوية ...

شبح لرجل عجوز ذو ملامح مشوهة يوجه إليه الحديث من خلال المرآة المحطمة القابعة أمامه :
-         لما لا تجيب عن الإتهامات الموجهة إليك أيها الأحمق ... هل أنت مصاب بالصمم ..؟ !
-        أجاب الرجل الأبيض المتوسط مرتجفاً " اي أتهامات !! ؟؟؟
-         هل تعلم أنه سوف ينال منك كما نال من غيرك ؟
-         يتعجب الرجل الأبيض المتوسط ... "عن من تتحدث أيها العجوز؟"
-         عن الفأر الذي ينقر خيوط عمرك .
-         ويكمل العجوز .."هل تعلم أننا سنحكم عليك بالجريمة الكبرى...سنحكم عليك بتهمة إهدار الوقت "
يضع الرجل الأبيض المتوسط يديه  فوق رأسه بشكل غريب
-     ويتسائل  العجوز في مرح " هل أنت على ما يرام أيها الأبله ؟"
-         يجاهد الرجل الأبيض المتوسط كى يبحث عن إجابة مناسبة و يقول فى حسرة "أحاول أن أمنع الأفكار من التسرب من ذاكرتي المثقوبة ... اللعنة , ما كان على أن أخرج إلى العالم الخارجي أبداً... "تغيير العالم من أجل حياة أفضل " لماذا أقتنعت بهذا الهراء...! ؟

-         كان العجوز يضحك بلا توقف و لكنه أسطرد قائلا " لاداعي للحسرة ... سنعفو عنك لحسن نواياك , وستخرج من ذلك المكان المزري , ولكن عليك أن تدرك الأمر... كى تغير العالم عليك أن تبدأ بالشخص الذي تراه في المرآة كل صباح "...


الخميس، 17 نوفمبر 2011

تحت تأثير المخدر


وقبل نهاية العالم بعدة سنوات بعد أن أستنزفت طاقات الأرض تماما وعاد الإنسان إلى ما كان عليه أيام العصور المظلمة , وبالرغم كل هذا التغيير الرهيب الذى طرأ على الكون أجمع لم يتغير نظام الحكم في البلاد التى ظل يحكمها العسكريين لقرون متلاحقة بالرغم من وعود زائفة لتسليم القيادة لسلطة مدنية , ولقد أعتاد العسكر على نصف الثورات التى كانت تحدث بين الفينة والفينة فلم تلبث أن تقوم شرارة ثورة حتى يتم قمعها أو التدخل السريع لتفريق فئات الشعب التى تنسى مطالبها الرئيسية في الأخير وتتفرغ لمحاربة بعضها البعض ومن ثم تتلاشى الثورة فى أيام .


 وفى هذا الزمن بالرغم من رجوع البشرية إلى العصور الوسطى حيث أختفت الأسلحة الحديثة و ظهر القتال بالسيوف والمجانيق مرة آخرى ... أستطاع المجلس العسكري الذي يحكم البلاد منذ الأزل أن يخترع سلاحاً فتاكاً عندما نشبت شرارة آخرى لبداية ثورة فتجمع الشعب عند أنقاض ميدان تحرسه أسود حجرية متهالكة بفعل الزمن , وفي هذه المرة صمد الشعب الثائر فى هذا الميدان بشكل غريب غير مسبوق مما دفع العسكر إلى إستخدام ذلك السلاح الذى إن وجد منذ القدم لغير خريطة الأرض , فأستخدم العسكر هذا السلاح ليكون ذخيرة تقذفها المجانيق العملاقة على الأهداف البعيدة , فكان عبارة عن كرة ضخمة من نبات البانجو المخدر مع خلطة سرية من نباتات مهلوسة آخرى , وألقى العسكر على المتظاهرين مئات من تلك الكرات المخدرة بعد أشعالها , ومع القذيفة الأولى بدأ الشعب يشعر بالنشوة , و توالت القذائف الواحدة بعد الآخرى حتى بعث المجلس العسكرى بإحدى مفاوضيه ليتفاوض مع قادة الثورة  التى سيطرت عليهم المادة المخدرة و جعلت بينهم وبين الزمن حاجزاً ,فأتفق الطرفان على أن الحل الأمثل في تلك الفترة الحساسة في تاريخ البلاد هى ترك عصا القيادة للمجلس العسكرى الذي يملك من الحكمة الشيئ الكثير , وقام الشعب وهو في نشوة المخدر بإحتفال ضخم بمناسبة تسليم السلطة لأهلها الأصليين , ورجع الجميع إلى منازلهم سعداء  , وبمناسبة ذلك الحدث الجلل قرر القائد الاعلى للعسكر بإقامة ذلك الكرنفال كل سنة في ذلك اليوم , وعندها فقط أيقن الشعب أنه قد فعل الصواب . 


الخميس، 3 نوفمبر 2011

الأصبع المفقود


في الذكري الخمسين لثورة لم تكتمل أبداً كانت البلاد تحتفل رسمياً بوهم نصر خادع لم يتحقق , وسمي ذلك اليوم  بيوم الشعب , و أمر الحاكم العسكري الشبيه بكائن منقرض الذي يحكم البلاد منذ فترة ضبابية لم يستطع أحد بذاكرة مثقوبة أن يتذكرها نظراً لطول المدة أن يقام تمثال عملاق على شكل يد لذراع قوية سمي "القبضة" , فكان صرح ضخم مصنوع من معدن كئيب يصور قبضة مشوهة غير مكتملة لذراع حديدية , وكانت تلك القبضة الحديدة المشوهة ينقصها الأصبع الأوسط .


 وأختلف العامة من الشعب على تفسير رمز هذا العمل الفني الجبار , فمنهم من فسر أن اليد هي يد الشعب المكافح الذي أستطاع الصمود ضد الزمن الراكد , ومنهم من فسر القبضة على أنها رمز للتعاون بين الشعب الذي في حقيقة الأمر لم يتعاون إلا على الفرقة ,  ومنهم من فسره أنه رمز للعمل الجاد الذي لم يتحقق أبداً ... ولكن التفسير الأوقع الذي لم يجرؤ أحد على تخيله كى لا يحاكم عسكرياً , أن تلك القبضة الحديدة كانت تمثل الحكم القاسي لعسكريين محنطين لشعب بائس الذي لم ينل شيئاً منذ أن تولى هؤلاء سلطة إنتقالية دامت لعقود ...  سوى ذلك الأصبع المفقود .


الخميس، 27 أكتوبر 2011

الموت ببراز الطيور


أنه عصر التقدم العلمي لا شك , فبعد ان أستطاع ذلك المجلس المكون من عسكريين محصنين ضد الموت من الحكم لسنين طويلة منذ أن تولوا إدارة البلاد بعد نصف ثورة قام بها شباب واعد من شعب يائس , نجح العسكريين في الأخير في ترويض الطبيعة والتغلب على قوانينها العنيدة.

في البداية الأمر , بعد أن أنطلقت شرارة النصف ثورة أستطاع بعض الشباب أن يعلنوا التحدي ضد تيار شعبي عارم من الجهل و أقنعوا القوم بأن الموت في سبيل الحرية أثمن من حياة في قطيع الخراف ذاك , ولكن الشعب الجائع الذي يعشق الإستقرار قد شرع إلى الفرار فلم يستطع التكيف مع الوضع الجديد الذي أصبح شديد التعقيد , فقد تطلب الأمر إلى بذل الكثير من الجهد و الكثير من التضحيات , فسخط هؤلاء القوم على ما تم إنجازه حتى ذلك الحين, وتمنوا الرجوع إلى العصر البائد و العيش في مستنقعات القذارة كالعبيد ... حيث الإستقرار قابع بمذاقه الفريد .

ومرت السنين , ولم يكن ذلك المجلس بغريب عن رغبات ذلك الشعب المسكين فقد علم أن الخطوة الأولى للسيطرة على قطيع الخراف من جديد هي توفير الطعام لهم بصورة مستمرة وحل مشكلة الغذاء , ومن ثم أخذت المختبرات العسكرية التى تنتنج أخطر أنواع الأسلحة المدمرة على إنتاج جيل جديد من الطيورالتى تم تهجينها حتى أصبحت بحجم مبنى عملاق , فكانت الدجاجة الواحدة تكفي لإطعام مئات الأشخاص, و أستطاع المجلس حل مشكلة الجوع ...و أصبح هؤلاء العسكريين ...  أبطال خالدين ... كأسطورة التنين .

فرح الشعب بالنتائج المبهرة , وشكروا الخالق على نعمة العقل الذي منعهم من الإنصياع لخرافات شباب بائس يسعى وراء المجد , ولكن لم يدم الإستقرار طويلاً , فعلى العكس إزدادت معدلات الوفاة في قطيع الشعب الهائج ولم يكن ذلك بفعل وباء غامض أو مرض لعين أو طبيعة ساخطة أو حتى حرب غشماء ...فعندما حلقت الكائنات المهجنة العملاقة في السماء , بدت كانها غربان قاتمة قادمة من القبور... وأخذ نوع جديد من الموت بالظهور ...سُمى الموت ببراز الطيور .



الاثنين، 24 أكتوبر 2011

الخازوق


وخلال رحلته الطويلة التى قطعها بدءاً بالوديان المنبسطة القابعة تحت سلسلة جبال شاقهة ومروراً بالجبال نفسها حتى أستطاع التسلق إلى القمة , لم يتوقف لحظة عن تخيل نظرة الناس له عندما يشاهدونه من أعلى  قمة الجبل خصوصاً لكونه شخص متوسط الذكاء متوسط القوة متوسط الطول متوسط الدخل فلم يكن يملك شيئاً مميزاً في الواقع , فقد كان في أشد الحاجة لنظرة الإعجاب تلك التى لم ينالها أبداً. أما قريته الصغيرة التى تقبع أسفل الوادي السحيق والتى عاش فيها طوال حياته فقد تناقلت فيها الكثيرمن الحكايات والأقاويل والأساطيرعن هذا الجبل الشامخ المهول وخصوصاً أن أحداً لم يتمكن من بلوغ قمته حتى الآن , فمنهم من كان يحلم بالأمر ولم يقدم على تسلقه قط , ومنهم من تسلقه فعلاً ولم يتمكن قط من بلوغ قمته , ومنهم من مات وهو يحاول و أنتهى به المطاف كجثة ممزقة في الأسفل .
وعندما قرر أن يبدأ تلك الرحلة التى أخطأ في تسميتها كثيراً ففي البداية أختلط عليه الأمر وسماها رحلة البحث عن الذات و سماها فيما بعد رحلة البحث عن النجاح ولكن في الواقع كانت كلها مسميات خاطة لأنها كانت بالنسبة له رحلة البحث عن الشهرة في الأخير.

أستطاع أخيراً بلوغ قمة الجبل  بصعوبة بالغة نظراً للإرتفاع الشاهق وقلة الأكسوجين ناهيك عن حالة الإنهاك التام التى ألمت به منذ شهور طويلة منذ أن قرر صعود تلك الضخور المدببة , أستطاع أخيراً مشاهدة المشهد كاملاً , وكان منظر الوادي بديعاً , فقد كشف تفاصيل دقيقة لم يكن ليراها من أسفل , و أخذ يفكر بإنجازه العظيم الذي حققه أخيراً بعدما كان مجرد فكرة عابرة , ولم يتوقف عن تخيل نظرة الناس له بعدما أستطاع الوصول إلى القمة , وتملكه أحساس فريد بالزهو والإعجاب , ولكنه كان مصحوب ببعض القلق لأن أحداً من الناس لم يتمكن من مشاهدته على القمة بالرغم من التلويح لهم مراراً فلم يكن لأحد أن يراه بسبب الإرتفاع الشاهق , فأدرك أن كل هذا المجهود المضنى سيذهب سدى ... فنظر نظرة طويلة في الأفق الواسع  وأدرك أن عملية النزول ستكون أصعب من الصعود و أنها ستحتاج إلى مجهود أكبر بكثير, ومر بمخيلته ذكرى هؤلاء الذين ذهبوا في هذه الرحلة ولم يتمكنوا من الرجوع أبداً , وعندها أدرك السبب وهنا فقط قد تمكنت خيبة الأمل من إصابته في مقتل فأجبرته أن يتوقف عن التلويح بيديه للبشر في الأسفل كالمعتوه ... وقرر أن يجلس ليفكر في مستجدات الأمور فأمعن النظر في الأسفل مرة آخرى و تأمل الجبل الشامخ في تمعن وهنا فقط أدرك أنه كان يجلس فوق مقدمة خازوق عملاق .