الثلاثاء، 11 أكتوبر 2011

بطل من ورق


أستسلم البطل المصنوع من ورق لمخالب الرياح العاتية , فأجبرته على أن يمضى قدماً نحو الأرض المقفرة مطأطئ الرأس حتى وجد نفسه تحت سماء لامعة لا قمر فيها .
رفع رأسه ليرى تلك النجوم الساهرة وتمنى أن ينتقل بعيداً عن هذه الأرض عندما توالت عليه نكبات الزمن , فالمعركة الوحيدة التى يتذكر أنتصاره فيها هي معركته مع شبح أبتسامة .

لم يبتسم البطل المصنوع من ورق لسنوات طويلة بعد فقدانه الكثيرمن ضروس فمه الشبيه بكهف حجري مظلم بعدما تلقى ضربات موجعة من أحد الأعداء الغابرين الذين قابلهم كثيراً في طريق نجاح خادع ممهد بالأشواك , قرر ألا يبتسم ثانيةً حتى تنمو له ضروس آخرى , فحرم نفسه من نعمة الأبتسامة لمجرد أن يتجنب تقريعات البشر على مظهر فمه التى بات أقرب إلى نوافذ محطمة لبيت خشبي عتيق , فقد أراد الحفاظ على مظهره الأنيق كبطل شعبي و لم تكن الأسنان المفقودة تخدم مطلبه ذاك , وأستمر هذا الحال لسنوات عديدة ولكن دون جدوى , فلم تنمو تلك الأسنان أبداً وظل الفراغ كما هو .

 جاء ذلك اليوم الذى قرر فيه أن يملأ هذا الفراغ  بكمية من الطمى الكئيب ذو اللون الكاحل الذي يملأ النهر ذو المياه الشفافة , التى تناقلت عنها أساطير كثيرة لقدرتها على الشفاء من الامراض التى أستعصت على الزمن, وعندما أقترب من حافة النهر , رأى قطع نقود ذهبية منتشرة في القاع تلمع كالمرايا تحت أشعة شمس منكسرة بسبب الغيوم , و أبتسم أخيراً أبتسامة عريضة أظهرت أضراسه المفقودة , فقد أدرك أنه قد آن الأوان أن يتغير حظه السيئ الذي لازمه منذ الأزل .

نسى تماماً أمر ذلك الطمى السحرى , فقد كانت صورة تلك العملات الذهبية تملأ مخيلته بالكامل , وأخذ يجمع القطعة تلو الأخرى , ويملأ جيوبه, وفكر بما سيفعله بهذا الكنز المهول فقد خطط مبدأياً أن يستغل تلك الثروة للقضاء على أعداءه , وفيما هو يسرح بخياله كحصان غير مروض في غابة مهملة أدرك أن المال سينصره في معاركه الكثيرة إلا واحدة فتحطمت أمواج الأمل الذى بعثه هذا الكنز تحت صخور الواقع المددبة عندما أحس أنه سوف يدخل معركة خاسرة مع شبح الشيخوخة والتى ستؤدى أخيراً بحياته , فوجد الحزن سبيلاً إلى قلبه مرة آخرى و شعر بالتعاسة , ولم ينتبه إلى موقع قدماه التى سقطت في المياه العميقة ... وعندها فقط تذكر أنه لا يستطيع السباحة .

التالي ...


الاثنين، 3 أكتوبر 2011

تأثير الفراشة



 كان ينظر إلى الكون بمنظور طائر مجروح مفقوع العين, مستلقياً تحت ظل شجرة التوت العملاقة التى أينعت ثمارها الوافرة تحت شمس الكون الباهتة , لا يملك القدرة على مشاركة أقرانه من الصبية في اللعب تحت أشعة الشمس الذهبية الساطعة وكانت متعته الوحيدة هى مشاهدته لتلك الألعاب بالرغم من عدم مشاركته فيها , و كانت أمنيته الوحيدة هى حصوله على جسم قوى ذو سواعد مفتولة يؤهله للعب مع أقرانه في المستقبل القريب لأن جسده  الهزيل الحالى لا يملك القدرة على بذل أى مجهود سوى التنقل من مكان لآخر في حسرة .

لم تكن أمه لتسمح بأن يشارك أبنها النحيف فى أى نوع من الأعمال أو حتى الألعاب المختلفة التى يلعبها الأطفال في سنه نظراً لضعف جسده البالى , وكانت الأيام تمر تباعاً وتكرر نفسها كأنها تسبح في حلقة دائرية مفرغة كعقارب ساعة صدأة , وظلت أمنية الصبى كما هى ... لقد أراد الحصول على جسم قوى كالفهد , وتنامى في داخله ذالك الشعور المريب الذي حدثه بأن تلك الأمنية ستتحقق يوماً ما  .

وذات يوم أقبل الصبية عليه مسرعين يطلبون منه تسلق شجرة التوت الضخمة و أن يأتيهم ببعض الثمار الطازجة , رفض في بداية الأمر لأنه كان على يقين أن جسده سيخزله في تلك الواقعة كما خذله في وقائع أخرى كثيرة , ولكن إلحاح بقية الصبية جعله يعدل عن رأيه , فقد أقنعوه بأنه الوحيد المؤهل لتسلق تلك الشجرة ضعيفة الأغصان نظراً لصغر حجمه و خفة وزنه .

تسلق الصبي الجزع تلو الآخر و كان هدفه الحصول على الثمار اليانعة التى توجد فى الأعلى , و عندما مد يديه ليقطف واحدة , أختلت الأرض من تحت قدميه وسقط كالصخرة .
أدت تلك السقطة أن أفقدت الصبي القدرة على المشي بدون عنصر مساعدة , وقد أضطر إلى إستخدام عكازين يتكأ عليهما كلما أنطلق من مكان لآخر .

و مرت الأيام , وعاد مرة آخرى ليستلقى بصعوبة تحت ظل شجرة التوت العابسة بمساعدة العكاز الخشبي الكئيب الذي لم يعلم لماذا تشقق هل بفعل الزمن أم بفعل حزنه على حاله المزري , وخلال تأمله للكون بعيون مليئة بالدموع, أبصر تلك المخلوقات رائعة الجمال تطوف من حوله , وعندها أدرك أن طيلة الفترة الماضية كان يرى العالم من قفاه .

في البداية كانت مجرد كائنات دقيقة تزحف بين أوراق الأشجار الكثيفة , أمعن النظر مرة آخرى إلى تلك الديدان السوداء ولم ير فيها شيئاً مميزاً , وراقبها يومياً و لاحظ أيضاً تحولها مع مرور الوقت , فأصبحت أكثر قوة و أضخم وزناً , حتى أصبحت يرقة في يومِ ما .
 وجاء ذلك اليوم الذي لن ينساه طيلة حياته , فقد رأى تلك اليرقة تتحول إلى مخلوق رائع بديع الألوان وقد نما لها جناحين ترفف بهما في الهواء وتحلق بها عالياً …لقد تحولت إلى فراشة .

ومنذ ذلك الحين أصبح الصبي أشد تمسكاً بحلمه فمازال حلم الأمس يراوده بشدة بالرغم من صعوبة تحقيقه بسبب تلك العكاكيز المتهالكة البغيضة غير ذات النفع , والغريب أن تملكه ذلك الإحساس الداخلي الذي منحه السكينة , فقد أيقن أن جسده سيصير أقوى بالرغم من علته تلك فمراقبته للفراشات بديعة المنظر بعدما كانت مجرد حشرة سوداء مقززة قد أضاء في نفسه الأمل مرة آخرى .

ومرت سنون طويلة في حلقة الحياة المفرغة ... وذات يوم أجتمعت القرية لتشاهد ذلك الفتى عريض المناكب مفتول العضلات في المبارة النهائية التى أنتهت بفوزه وبعدما تم تكريمه و أصبح المصارع الأقوى في المدينة , طلب منه الحضور إلقاء كلمة بمناسبة إنجازه العظيم , فأفتتح كلمته بشكر الخالق القدير الذي أستجاب لأمنيته بعيدة المنال والتى تمناها منذ أن كان طفلاً , فقد أراد أن يصبح قوياً ذو سواعد مفتولة ولم تكن لتلك الأمنية أن تتحقق إلا بإستخدام عناصر خارجية , فجسده النحيف الضئيل ما كان ليصبح بمثل تلك القوة إلا بإستخدام العكازين الذى أستعان بهما لسنين طويلة حتى جعلا ساعديه كالصخرة وجعلا منكبيه كالأفق الواسع وقرر تركهما في الأخير لأنه أستعاد قدرته على المشي, وحمد الله على نعمة البصر الذي أدرك من خلاها أن هناك كائنات أقل شأناً كانت قادرة على التحول والتحليق في السماء على الرغم من أنها ولدت حشرة سوداء لزجة تزحف في بطء .  





الخميس، 7 يوليو 2011

الأعرج


نشأ هذا الصبي في أسرة من الأسر المعدمة التى تملك بالكاد قوتها اليومي , فقد شارك جميع أفراد الأسرة في العمل الشاق في المزرعة الصغيرة التى كانت مصدر رزقهم الوحيد .
كان الصبي الأصغر في تلك الأسرة الفقيرة الكادحة التى تكونت من أب وأم وسبعة أبناء. وكان له وجه جميلاً صبوحاً بالرغم من إعاقته تلك , فقد ولد بمرض نادر أصاب جهازهه العصبي , أجبره على أن يمشى منحني الظهر , مقوس الأرجل يجر القدم الأولى وراء الثانية جراً , أما يديه فكانت في حالة إرتعاش دائم , ولم يختلف أسلوبه في الحديث عن أسلوبه في المشي , فكان ينطق بصعوبة بكلام متعلثم غير مفهوم . ونظراً لعلته , لم يشارك الصبي الصغير في تلك الأعمال , فقد كان عاجزاً عن تقديم أى نوع من العون والمساعدة ,فحركته كانت بصعوبة شديدة أما يديه فقدت كانت غير قادرة على حمل شيئاً .

لم يحب الأب هذا الطفل كثيراً , فقد تطلبت رعايته الكثير من الوقت والجهد والمال الذي كان يحصل عليه في مشقة , أما الأم فقد كانت دائمة الخوف والشفقة والألم على مستقبل هذا الصبي , فقد ودت لو لم يولد قط , وأما بقية أخوته فقد أتخذوه أضحوكة , فكانوا دائمى السخرية من علته تلك .

 وذات يوم قرر الأب بالإتفاق مع بقية الأسرة أن يتخلصوا من ذلك الصبي الذى شكل عبئاً ثقيلاً على كاهلهم , ووافقت الأم على هذا القرار فقد كانت تتألم لرؤية ذلك الصبي  يتعذب في تلك الحياة البائسة, فقرر الأب أن يلقى به في وسط الصحراء القاحلة ويترك مصيره للخالق , فأخذه ذات يوم إلى ذلك المكان الموحش النائي , وتركه وحيداً على أمل أن يتخلص منه للأبد .

ترك الصبي وحيداً وسط  تلك الصحراء القاسية , وقد أستنتج أن الأب يقوم بإختباره , فقد كان دائماً يختبر أخوته بتلك الإختبارات الصعبة حتى يميزمنهم القوي من الضعيف. لقد رغب بالعمل مع أسرته من فترة طويلة ولكن لم يكن أحداً يسمح بحدوث مثل هذا الأمر , لكنه لا يعلم لماذا؟ ... هل لسنه الصغيرة ؟... كان يعلم أن يداه لا تقدرعلى رفع الأحمال , وكان يدرك أيضاً انه بطئ بعض الشئ في الإنتقال من مكان إلى آخر ... ولكنه كان يأمل أن تتحسن حالته في المستقبل .

كان الجو شديد الحرارة , وكانت أشعة الشمس حارقة , ولم يكن يدري في أى إتجاه عليه أن يسلك ... لقد بدأ يشعر بالعطش ... لكنه ظل ينقل قدميه في بطء حتى حل الظلام , وإنقلب الجو وأصبح شديد البرودة , وبدأت الأمطار الغزيرة بالهطول , وبدأ الجوع يتسلل إلى معدته الخاوية , وكذلك بدأ الخوف  عندما سمع عواء قطيع  الذئاب القابع أمامه.
استلقى على الرمال الباردة  وهومبلل الثياب واهن القوى يرتجف في خوف من تلك الوحوش المتجولة أمامه, وخامره ذلك المزيج من الخوف والألم واليأس, وكان على وشك البكاء ... فأختلطت دموع عينيه بدموع السماء ... وظل ينتحب طوال الليل .


مرر أسبوع كامل منذ أن تركه أبوه , وكاد أن يلقى حتفه من شدة الجوع والإعياء  ولكن نباتات الصحراء الشائكة أبقته على قيد الحياة , أما البرد فكاد يفتك به في المساء ولكنه أستطاع أن يتوارى كلما وجد كهف من الكهوف المخيفة المظلمة, و أما عن العطش فقد أستطاع أن يروى ظمئه من تلك الحبيبات الصغيرة من المياه التى وجدها على هذه النباتات الشائكة في صباح كل يوم .
كان يتألم في صمت , لقد أنتظرعودة والده كثيراً ولكن دون جدوى ... وكان الأمرالغريب أن الذئاب و الضباع الجائعة لم تهامجه قط بل تركته يمضى أينما ذهب . وفي اليوم الثامن أستطاع رويئة بعض البيوت , فقد أقبلت ملامح المدينة , فأرتسمت على وجه إبتسامة عريضة , ولكنه عجز تماماً عن مواصلة السير , فمنى نفسه  بأن عليه أن يجر قدميه قليلاً حتى يصل إلى منزل والديه.
بلغ أخيراً منزل والديه الخشبي في منتصف المساء ... وطرق الباب عدة طرقات , فقام الأب بفتح الباب , فوجد الغلام الصغير يرتجف ,وهو خائر القوى يقول بصوت متعلثم  واهن "أبي ... لقد نجحت في الإختبار ... هل أستطيع العمل معك في المزرعة  ؟"...وكانت هذه كلامته الأخيرة...



الثلاثاء، 5 يوليو 2011

البئر


تعجز عن تذكر أى شئ  ... كان هناك ذلك الضوء الواهن في الأعلى ... تدرك أنك غارق في مياه عميقة مظلمة وأنك محاط بالصخور من كل النواحي كأنها دائرة مغلقة ضيقة كنت أنت مركزها . بدأت الألوان كلها تتلاشى إلى اللون الأسود ... تحاول صعود تلك البئر العميقة المظلمة  كأنك تصعد إلى فوهة بركان ... تنجح ... فتتسلق الصخوركحشرة تتجول على حائط صخرى , حتى تقترب من الحافة , فتنزلق قدماك وتهوى إلى الأسفل ... تحاول كرةً آخرى ولكنك تتعثر كلما أقتربت من بلوغ حدود البئرالعلوية , تكرر العملية في يأس ... تتوقف في الأخير... لقد خارت قواك , ولم تعد تشعر بأطرافك بعد الآن ... كان هناك ذلك الألم الذي نشأ من إستمرار تمسكك بالأمل ... ولكن في نهاية المطاف تستسلم , و تترك جسدك ليلتهمه ذلك البئر المظلم و تأخذ أنفاسك الأخيرة ...
 غطت المياه عينيك ثم غطت رأسك بالكامل ... رئتيك على وشك الإنفجار , ولكنها لم تنفجر بعد , جسدك يستمر في الهبوط أسفل القاع  بصورة منتظمة ... تعجز عن التنفس بالكامل , تعجز أيضاً عن فقدان الوعى ...
ترى تلك الصور المتقطعة التى لا تمثل شيئاً ذو معنى , لست على يقين من حالتك العقلية الآن , فإنك لاتدرى أفقدت الوعى أم لا ... يستمر الألم , ولكنك لاتدرى أتصرخ في ألم ؟ أم أنك تتألم في صمت ؟ ... ثم جالت ببالك تلك الخاطرة الأخيرة ... لقد كونت تلك الجزيئات الصغيرة من الصور ذلك المشهد المتحرك , مشهد شبيه بالمكان الحالى ... لقد رأيت نفسك تسبح إلى الأسفل حيث الظلام , ولكنك تبدأ برؤية شعاع من ضوء ضعيف قادم من مكان ما , تسبح نحو الضوء الذي بدأ يقترب ... توشك رئيتك على الإنفجار ... تتألم في صمت ولكنك تستمر في الصعود نحو ذلك الضوء الذي أقترب أكثر فأكثر ... لقد بلغت السطح .
تطفو على السطح , تملأك السعادة  , فأخيراً أصاب الذى الشئ الخفى الذي يدفعك للقيام بالأمورالأكثر غموضاً... تملأ صدرك بمخزون من الهواء , تستجمع قواك من جديد , تتجول عينيك في الإتجاهات الأربعة ... ولكنها لا تدرك شيئاً سوى اللون الأزرق ... لقد صرت محاصراً بالمياه من كل جانب ولم تستطع رؤية اليابسة قط , وتتسائل في دهشة ... " في أى أتجاه على أن أسلك ... ؟"



الثلاثاء، 24 مايو 2011

الصحراء


في البداية... علمت السماء بأن هذه الأرض ستصير هالكة في يوم من الأيام لذا ظلت تبكى لقرون عديدة لأنها كانت البقعة الأكثر جمالاً على وجه البسيطة , فنمت فيها أشجار الفاكهة بهيجة المنظر وافرة الثمار , ونمت أيضاً أزهار مشابكة الأيدي تلونت بألوان زاهية ذكية الرائحة , وكان لون الأراضى الخضراء الذي تداخلت فيه ألوان الزهور الفيحاء يبعث السعادة في النفوس , ومع مرور السنين نست السماء أمر هذه الأرض تدريجياً فلم تعد تبكى كالسابق, فقل العشب الأخضر وتحولت الأزهار إلى أشواك  , ولكن ظلت السماء تنتحب في صمت حتى توقفت تماماً , ومعها تحولت البقية الباقية من العشب الأخضر إلى حبوب من الرمال الصفراء الخشنة باهتة اللون, وخلت الأرض من جميع المخلوقات إلا بعض نباتات الصبار ذات الأشواك القاسية .





الأحد، 22 مايو 2011

الخفاش والغراب والنسر


الخفاش :

في البداية ... كان الخفاش حيوان صغير الجسم جميل الهيئة شبيهاً بالسناجيب الرشيقة جميلة المظهر. فكان يعبر الأراضى في رشاقة وخفة , وكان يتميز بنظره الحاد وبعنيه اللامعتين الجميلتين , ولكن بالرغم من مظهره البديع  , ظل ساخطاً على كونه لا يستطيع الطيران , فقد أراد التميز عن هذه الحيوانات البلهاء التى تمرح تحت أغصان الغابة ,وتمنى أن يطير مبتعداً عن هؤلاء الحمقى , فقد تمنى أن لو كان له أجنحة.
 و ذات ظهيرة وهو جالس في حزن ينظر إلى السماء , أقترب منه الهدهد يسأله في دهشة عما أصابه, فقال له أنه يسخط على كونه خفاشاً ضئيل الحجم لا يستطيع الطيران مثله , فقال الهدهد : أن الله قد خلقك في أحسن صورة فلا داعي للسخط , وأكمل الهدهد : ولكن إذا أردت الحصول على شئ فعليك أن تدعو الله , فهو مستجاب الدعوة , ولكني أنصحك أن تدعو بحكمة و بما هو يفيد .  أما الخفاش فظل يدعو الله كل يوم في سخط أن يهبه أجنحة و أن يجعله الحيوان الوحيد القادر على الطيران , وأن يتميز عن هؤلاء الحمقى القابعون تحت شجيرات الغابة. وذات يوم أستجاب الله لهذه الدعوة , فنمت له أجنحة , وأنطلق يحلق في الغابة في زهو يتملق الحيوانات الآخرى , وسرعان ما شاهدته النسور و بقية الجوارح حتى أقبلت عليه في سرعة مخيفة بمخالبها القوية , ولكنه أستطاع الفرار بأعجوبة . وفي اليوم التالى تكرر مشهد مطاردة الجوارح الذي ألقى في قلبه الرعب , وبسبب هذه الطيور المخيفة , لم يستطع الحصول على الطعام في الصباح أبداً حيث تربصت به هذه الجوارح المهلكة قاسية الملامح, فظل يعيش في كهف معتم , يخرج للأصطياد في المساء فقط , أما في الصباح فكان يختبئ في كهفه المظلم , و مع مرور الأيام نسيت عينيه الشعور بالضوء تماماً , حتى أصيب بالعمى ,وتحولت عينيه إلى تلك الشبيهة بعيون الموتى , وتأثر جلده أيضاً بفقدان الشمس , فتحول لونه إلى اللون الأسود .

الغراب :

في البداية ... كان الغراب ناصع البياض , يتخلل جسده الجميل بعض الريش الذهبي , و تميز أيضاً بصوته العذب الغناء الذي أستمتعت به كل حيوانات الغابة , وذات صباح أقبل طائر أصفر اللون بديع المظهر , يحلق في السماء الزرقاء الصافية ويغرد مبتهجاً بصوت عذب جميل محبب إلى النفوس ,فأدهش هذا الطائر الغريب جميع حيوانات الغابة , ولكن ملأت الغيرة والكراهية  قلب الغراب , الذى أنتظر حتى أقبل المساء , وقام بالإنقضاض على هذا الطائر الضعيف , فقتله ودفنه أسفل شجرة الكستناء العجوز التى فقدت أوراقها . وأقبل الصباح وتساءلت حيوانات الغابة عن غياب الطائر الأصفر البديع , فأسرع الغراب بالرد على أنه شاهده يذهب إلى دياره في المساء , ولكن تعجب الجميع من صوت الغراب الذي أصبح غليظاً منفراً, وأيضاً من مظهره القبيح فقد تحول لونه إلى اللون الاسود , أما الريش الذهبي الذي غطى رقبته , تحول إلى لون رمادي كئيب كلون الغبار , ومنذ ذلك اليوم لم يعد الغراب أبداً كما كان , وكان مصدر أزعاج لجميع حيوانات الغابة بسبب صوته الكئيب الشبيه بصوت حيوان هالك , وأيضاً من مظهره التعس الذي بعث الإنقباض في القلوب , وهجر الغراب الغابة , وعاش على أحجار القبور .

النسر :

في البداية ... كان النسر حيواناً ضعيفاً صغير الحجم , ولكنه كان حاد المزاج , عزيز النفس , وأدت طباعه الغليظة  أن جعلته منبوذاً  من بقية الطيور , حتى هجر الغابة وعاش بعيداً على أعالى الجبال . وذات صباح عندما أخذ يحلق في الأراضى البعيدة , أبصر بنظره الحاد أسراب الجراد البائس التى أخذت تقضى على الأخضر واليابس , فمحت كل الأراضى الخضراء التى مرت فى طريقها , وأخذت تقترب من الغابة . فهم  النسر بجسده الضعيف و جناحيه الواهنين بالإسراع إلى الغابة البعيدة حتى يحذر كل من فيها من الخطر المقترب . وقاول بكل ما يملكه من قوة حتى كاد أن يلقى حتفه من كثرة الإجهاد , ولكنه نجح في الأخير في الوصول إلى الغابة وتحذير الحيوانات من الخطر القادم , وبعدها سقط على الارض كالصخرة , وظن الجميع أنه قد لقى حتفه , ولكنهم أسرعوا بإعداد العدة للدفاع عن الغابة حتى أستطاعوا أن يصدوا الخطر تماماً , وأخذ الجميع بالإحتفال بهذا النصر العظيم , ولم ينكر الجميع فضل النسر في هذا الإنتصار, وقرورا تكريمه حتى مثواه الأخير , ولكن عندما توجهوا إلى جثته , وجدوه على قيد الحياة , والغريب أنهم لاحظوا تطور جسده الصغير الذي أصبح أكثر قوة, ولاحظوا أيضاً نمو جناحيه الذان صارا أكبر بأضعاف .


السبت، 14 مايو 2011

مملكة النمل



أنطلقت أسراب من النمل تقطع الشارع المقابل الذى يسير فيه الصراصير كبيرة الحجم , والتى تكدست عند مرور الفوج الأول, حتى أتيحت لهم فرصةً آخرى بعد أن أضاء أحد ما ضوء شمعة خضراء.


 تنوعت أشكال الصراصير ما بين ذات اللون الواحد والآخرى صاحبة المكعبات البيضاء والسوداء المتداخلة والتى يميزها شئ ما في مقدمة رؤسها , تتوقف هذه الصراصير لإخطاف بعض النمل البائس المنتظر في يأس كأنه يريد أن يلقي بنفسه تحت أقدام هذه الصراصيرالمسرعة كي يخفف عن نفسه وطأة الإنتظار, فكانت فلسفته في الحياة أن إنتظار الموت أسوء من الموت نفسه .


عبرت النملة ذات الشوارب الكثيفة مع السرب الذي يعبر الطريق فأتجهوا بالكامل تجاه ملكة النمل ذات المنظر البديع المميز صاحبة التاج الذهبي , تتبعوا خطواتها وهم في حالة من التنويم المغناطيسي وكانت ملامح الذهول والإعجاب مرتسمة على الوجوه كأنها لعنة ما أصابتهم . أما النملة ذات الشوارب الكثيفة أدركت خطر الإنسياق وراء هؤلاء الحمقى السائرون نايماً , وأدركت أيضاً مدى خطورة ملكة النمل وتأثيرها القاتل على العقول , فهمت بالإختباء في جحر من الجحور تراقب الموقف عن كثب , وسرعان ما أدركت أنها تختبأ في الموقع الخاطئ عندما سمعت صوت السحالي القادمة بسرعة مفرطة من خلال هذه الجحور المظلمة والتى كانت في منتصف طريقها تماماً , ولكن شاء القدر أن تبقى على قيد الحياة , فمرت السحالى بسلام .

خرجت النملة ذات الشوارب الكثيفة إلى الشارع مرة آخرى وقررت أن لا تبدى لملكة النمل إنتباهاً كأنها أحدى الصخور كئيبة المنظر القابعة وسط الطريق , أنتظرت ملكة النمل وخلفها مجموعة كبيرة من النمل المسير الذى تم السيطرة عليه تماماً وكانت الملكة في حالة من الزهو والإعجاب المفرط بجمالها الذي لم يسبق له مثيل , وحدث ما لم يكن في الحسبان إذ وقعت عيناها الساحرتين على النملة ذات الشوارب الكثيفة , ولكن الآخرى لم تبدى أى أهتمام و تظاهرت بالامبالاة مما جعل ملكة النمل تنطلق مبتعدة عن الطريق في إتجاه الجهة المقابلة حيث وقفت النملة ذات الشوارب التى تحاول جاهدة عدم الأكتراث ,أسرعت ملكة النمل الخطى تجاه النملة ذات الشوارب حتى كادت أن يسحقها بعض الصراصير المسرعة.

  
نجحت الملكة أخيراً في الوصول إليها وهى فى حالة ممزوجة من الضعف والإعجاب والإنبهار بهذه النملة . لم تبد النملة ذات الشوارب أى أهتمام بالملكة ونظرت في الإتجاه الآخر إلى مجموعة النمل الذاهلة المأسورة بسحر الملكة اللعين , حيث وقوفوا جميعاً دون حراك في قارعة الطريق , وسمعت أصوات تهشمهم تحت الصراصير العابرة القاسية , ولم يعد احد منهم على قيد الحياة , اما ملكة النمل حاولت أن تجذب أنتباهه في يأس , ولكنه ألتفت إليها في الأخير , فقالت الملكة : سيدي الملك ,هل يمكنك مساعدتى في حمل هذا العبء الثقيل و أشارت إلى تاجها الذهبى.