أستسلم البطل المصنوع من ورق لمخالب الرياح العاتية , فأجبرته على أن يمضى قدماً نحو الأرض المقفرة مطأطئ الرأس حتى وجد نفسه تحت سماء لامعة لا قمر فيها .
رفع رأسه ليرى تلك النجوم الساهرة وتمنى أن ينتقل بعيداً عن هذه الأرض عندما توالت عليه نكبات الزمن , فالمعركة الوحيدة التى يتذكر أنتصاره فيها هي معركته مع شبح أبتسامة .
لم يبتسم البطل المصنوع من ورق لسنوات طويلة بعد فقدانه الكثيرمن ضروس فمه الشبيه بكهف حجري مظلم بعدما تلقى ضربات موجعة من أحد الأعداء الغابرين الذين قابلهم كثيراً في طريق نجاح خادع ممهد بالأشواك , قرر ألا يبتسم ثانيةً حتى تنمو له ضروس آخرى , فحرم نفسه من نعمة الأبتسامة لمجرد أن يتجنب تقريعات البشر على مظهر فمه التى بات أقرب إلى نوافذ محطمة لبيت خشبي عتيق , فقد أراد الحفاظ على مظهره الأنيق كبطل شعبي و لم تكن الأسنان المفقودة تخدم مطلبه ذاك , وأستمر هذا الحال لسنوات عديدة ولكن دون جدوى , فلم تنمو تلك الأسنان أبداً وظل الفراغ كما هو .
جاء ذلك اليوم الذى قرر فيه أن يملأ هذا الفراغ بكمية من الطمى الكئيب ذو اللون الكاحل الذي يملأ النهر ذو المياه الشفافة , التى تناقلت عنها أساطير كثيرة لقدرتها على الشفاء من الامراض التى أستعصت على الزمن, وعندما أقترب من حافة النهر , رأى قطع نقود ذهبية منتشرة في القاع تلمع كالمرايا تحت أشعة شمس منكسرة بسبب الغيوم , و أبتسم أخيراً أبتسامة عريضة أظهرت أضراسه المفقودة , فقد أدرك أنه قد آن الأوان أن يتغير حظه السيئ الذي لازمه منذ الأزل .
نسى تماماً أمر ذلك الطمى السحرى , فقد كانت صورة تلك العملات الذهبية تملأ مخيلته بالكامل , وأخذ يجمع القطعة تلو الأخرى , ويملأ جيوبه, وفكر بما سيفعله بهذا الكنز المهول فقد خطط مبدأياً أن يستغل تلك الثروة للقضاء على أعداءه , وفيما هو يسرح بخياله كحصان غير مروض في غابة مهملة أدرك أن المال سينصره في معاركه الكثيرة إلا واحدة فتحطمت أمواج الأمل الذى بعثه هذا الكنز تحت صخور الواقع المددبة عندما أحس أنه سوف يدخل معركة خاسرة مع شبح الشيخوخة والتى ستؤدى أخيراً بحياته , فوجد الحزن سبيلاً إلى قلبه مرة آخرى و شعر بالتعاسة , ولم ينتبه إلى موقع قدماه التى سقطت في المياه العميقة ... وعندها فقط تذكر أنه لا يستطيع السباحة .
التالي ...
التالي ...