الخميس، 7 يوليو 2011

الأعرج


نشأ هذا الصبي في أسرة من الأسر المعدمة التى تملك بالكاد قوتها اليومي , فقد شارك جميع أفراد الأسرة في العمل الشاق في المزرعة الصغيرة التى كانت مصدر رزقهم الوحيد .
كان الصبي الأصغر في تلك الأسرة الفقيرة الكادحة التى تكونت من أب وأم وسبعة أبناء. وكان له وجه جميلاً صبوحاً بالرغم من إعاقته تلك , فقد ولد بمرض نادر أصاب جهازهه العصبي , أجبره على أن يمشى منحني الظهر , مقوس الأرجل يجر القدم الأولى وراء الثانية جراً , أما يديه فكانت في حالة إرتعاش دائم , ولم يختلف أسلوبه في الحديث عن أسلوبه في المشي , فكان ينطق بصعوبة بكلام متعلثم غير مفهوم . ونظراً لعلته , لم يشارك الصبي الصغير في تلك الأعمال , فقد كان عاجزاً عن تقديم أى نوع من العون والمساعدة ,فحركته كانت بصعوبة شديدة أما يديه فقدت كانت غير قادرة على حمل شيئاً .

لم يحب الأب هذا الطفل كثيراً , فقد تطلبت رعايته الكثير من الوقت والجهد والمال الذي كان يحصل عليه في مشقة , أما الأم فقد كانت دائمة الخوف والشفقة والألم على مستقبل هذا الصبي , فقد ودت لو لم يولد قط , وأما بقية أخوته فقد أتخذوه أضحوكة , فكانوا دائمى السخرية من علته تلك .

 وذات يوم قرر الأب بالإتفاق مع بقية الأسرة أن يتخلصوا من ذلك الصبي الذى شكل عبئاً ثقيلاً على كاهلهم , ووافقت الأم على هذا القرار فقد كانت تتألم لرؤية ذلك الصبي  يتعذب في تلك الحياة البائسة, فقرر الأب أن يلقى به في وسط الصحراء القاحلة ويترك مصيره للخالق , فأخذه ذات يوم إلى ذلك المكان الموحش النائي , وتركه وحيداً على أمل أن يتخلص منه للأبد .

ترك الصبي وحيداً وسط  تلك الصحراء القاسية , وقد أستنتج أن الأب يقوم بإختباره , فقد كان دائماً يختبر أخوته بتلك الإختبارات الصعبة حتى يميزمنهم القوي من الضعيف. لقد رغب بالعمل مع أسرته من فترة طويلة ولكن لم يكن أحداً يسمح بحدوث مثل هذا الأمر , لكنه لا يعلم لماذا؟ ... هل لسنه الصغيرة ؟... كان يعلم أن يداه لا تقدرعلى رفع الأحمال , وكان يدرك أيضاً انه بطئ بعض الشئ في الإنتقال من مكان إلى آخر ... ولكنه كان يأمل أن تتحسن حالته في المستقبل .

كان الجو شديد الحرارة , وكانت أشعة الشمس حارقة , ولم يكن يدري في أى إتجاه عليه أن يسلك ... لقد بدأ يشعر بالعطش ... لكنه ظل ينقل قدميه في بطء حتى حل الظلام , وإنقلب الجو وأصبح شديد البرودة , وبدأت الأمطار الغزيرة بالهطول , وبدأ الجوع يتسلل إلى معدته الخاوية , وكذلك بدأ الخوف  عندما سمع عواء قطيع  الذئاب القابع أمامه.
استلقى على الرمال الباردة  وهومبلل الثياب واهن القوى يرتجف في خوف من تلك الوحوش المتجولة أمامه, وخامره ذلك المزيج من الخوف والألم واليأس, وكان على وشك البكاء ... فأختلطت دموع عينيه بدموع السماء ... وظل ينتحب طوال الليل .


مرر أسبوع كامل منذ أن تركه أبوه , وكاد أن يلقى حتفه من شدة الجوع والإعياء  ولكن نباتات الصحراء الشائكة أبقته على قيد الحياة , أما البرد فكاد يفتك به في المساء ولكنه أستطاع أن يتوارى كلما وجد كهف من الكهوف المخيفة المظلمة, و أما عن العطش فقد أستطاع أن يروى ظمئه من تلك الحبيبات الصغيرة من المياه التى وجدها على هذه النباتات الشائكة في صباح كل يوم .
كان يتألم في صمت , لقد أنتظرعودة والده كثيراً ولكن دون جدوى ... وكان الأمرالغريب أن الذئاب و الضباع الجائعة لم تهامجه قط بل تركته يمضى أينما ذهب . وفي اليوم الثامن أستطاع رويئة بعض البيوت , فقد أقبلت ملامح المدينة , فأرتسمت على وجه إبتسامة عريضة , ولكنه عجز تماماً عن مواصلة السير , فمنى نفسه  بأن عليه أن يجر قدميه قليلاً حتى يصل إلى منزل والديه.
بلغ أخيراً منزل والديه الخشبي في منتصف المساء ... وطرق الباب عدة طرقات , فقام الأب بفتح الباب , فوجد الغلام الصغير يرتجف ,وهو خائر القوى يقول بصوت متعلثم  واهن "أبي ... لقد نجحت في الإختبار ... هل أستطيع العمل معك في المزرعة  ؟"...وكانت هذه كلامته الأخيرة...



الثلاثاء، 5 يوليو 2011

البئر


تعجز عن تذكر أى شئ  ... كان هناك ذلك الضوء الواهن في الأعلى ... تدرك أنك غارق في مياه عميقة مظلمة وأنك محاط بالصخور من كل النواحي كأنها دائرة مغلقة ضيقة كنت أنت مركزها . بدأت الألوان كلها تتلاشى إلى اللون الأسود ... تحاول صعود تلك البئر العميقة المظلمة  كأنك تصعد إلى فوهة بركان ... تنجح ... فتتسلق الصخوركحشرة تتجول على حائط صخرى , حتى تقترب من الحافة , فتنزلق قدماك وتهوى إلى الأسفل ... تحاول كرةً آخرى ولكنك تتعثر كلما أقتربت من بلوغ حدود البئرالعلوية , تكرر العملية في يأس ... تتوقف في الأخير... لقد خارت قواك , ولم تعد تشعر بأطرافك بعد الآن ... كان هناك ذلك الألم الذي نشأ من إستمرار تمسكك بالأمل ... ولكن في نهاية المطاف تستسلم , و تترك جسدك ليلتهمه ذلك البئر المظلم و تأخذ أنفاسك الأخيرة ...
 غطت المياه عينيك ثم غطت رأسك بالكامل ... رئتيك على وشك الإنفجار , ولكنها لم تنفجر بعد , جسدك يستمر في الهبوط أسفل القاع  بصورة منتظمة ... تعجز عن التنفس بالكامل , تعجز أيضاً عن فقدان الوعى ...
ترى تلك الصور المتقطعة التى لا تمثل شيئاً ذو معنى , لست على يقين من حالتك العقلية الآن , فإنك لاتدرى أفقدت الوعى أم لا ... يستمر الألم , ولكنك لاتدرى أتصرخ في ألم ؟ أم أنك تتألم في صمت ؟ ... ثم جالت ببالك تلك الخاطرة الأخيرة ... لقد كونت تلك الجزيئات الصغيرة من الصور ذلك المشهد المتحرك , مشهد شبيه بالمكان الحالى ... لقد رأيت نفسك تسبح إلى الأسفل حيث الظلام , ولكنك تبدأ برؤية شعاع من ضوء ضعيف قادم من مكان ما , تسبح نحو الضوء الذي بدأ يقترب ... توشك رئيتك على الإنفجار ... تتألم في صمت ولكنك تستمر في الصعود نحو ذلك الضوء الذي أقترب أكثر فأكثر ... لقد بلغت السطح .
تطفو على السطح , تملأك السعادة  , فأخيراً أصاب الذى الشئ الخفى الذي يدفعك للقيام بالأمورالأكثر غموضاً... تملأ صدرك بمخزون من الهواء , تستجمع قواك من جديد , تتجول عينيك في الإتجاهات الأربعة ... ولكنها لا تدرك شيئاً سوى اللون الأزرق ... لقد صرت محاصراً بالمياه من كل جانب ولم تستطع رؤية اليابسة قط , وتتسائل في دهشة ... " في أى أتجاه على أن أسلك ... ؟"



الثلاثاء، 24 مايو 2011

الصحراء


في البداية... علمت السماء بأن هذه الأرض ستصير هالكة في يوم من الأيام لذا ظلت تبكى لقرون عديدة لأنها كانت البقعة الأكثر جمالاً على وجه البسيطة , فنمت فيها أشجار الفاكهة بهيجة المنظر وافرة الثمار , ونمت أيضاً أزهار مشابكة الأيدي تلونت بألوان زاهية ذكية الرائحة , وكان لون الأراضى الخضراء الذي تداخلت فيه ألوان الزهور الفيحاء يبعث السعادة في النفوس , ومع مرور السنين نست السماء أمر هذه الأرض تدريجياً فلم تعد تبكى كالسابق, فقل العشب الأخضر وتحولت الأزهار إلى أشواك  , ولكن ظلت السماء تنتحب في صمت حتى توقفت تماماً , ومعها تحولت البقية الباقية من العشب الأخضر إلى حبوب من الرمال الصفراء الخشنة باهتة اللون, وخلت الأرض من جميع المخلوقات إلا بعض نباتات الصبار ذات الأشواك القاسية .





الأحد، 22 مايو 2011

الخفاش والغراب والنسر


الخفاش :

في البداية ... كان الخفاش حيوان صغير الجسم جميل الهيئة شبيهاً بالسناجيب الرشيقة جميلة المظهر. فكان يعبر الأراضى في رشاقة وخفة , وكان يتميز بنظره الحاد وبعنيه اللامعتين الجميلتين , ولكن بالرغم من مظهره البديع  , ظل ساخطاً على كونه لا يستطيع الطيران , فقد أراد التميز عن هذه الحيوانات البلهاء التى تمرح تحت أغصان الغابة ,وتمنى أن يطير مبتعداً عن هؤلاء الحمقى , فقد تمنى أن لو كان له أجنحة.
 و ذات ظهيرة وهو جالس في حزن ينظر إلى السماء , أقترب منه الهدهد يسأله في دهشة عما أصابه, فقال له أنه يسخط على كونه خفاشاً ضئيل الحجم لا يستطيع الطيران مثله , فقال الهدهد : أن الله قد خلقك في أحسن صورة فلا داعي للسخط , وأكمل الهدهد : ولكن إذا أردت الحصول على شئ فعليك أن تدعو الله , فهو مستجاب الدعوة , ولكني أنصحك أن تدعو بحكمة و بما هو يفيد .  أما الخفاش فظل يدعو الله كل يوم في سخط أن يهبه أجنحة و أن يجعله الحيوان الوحيد القادر على الطيران , وأن يتميز عن هؤلاء الحمقى القابعون تحت شجيرات الغابة. وذات يوم أستجاب الله لهذه الدعوة , فنمت له أجنحة , وأنطلق يحلق في الغابة في زهو يتملق الحيوانات الآخرى , وسرعان ما شاهدته النسور و بقية الجوارح حتى أقبلت عليه في سرعة مخيفة بمخالبها القوية , ولكنه أستطاع الفرار بأعجوبة . وفي اليوم التالى تكرر مشهد مطاردة الجوارح الذي ألقى في قلبه الرعب , وبسبب هذه الطيور المخيفة , لم يستطع الحصول على الطعام في الصباح أبداً حيث تربصت به هذه الجوارح المهلكة قاسية الملامح, فظل يعيش في كهف معتم , يخرج للأصطياد في المساء فقط , أما في الصباح فكان يختبئ في كهفه المظلم , و مع مرور الأيام نسيت عينيه الشعور بالضوء تماماً , حتى أصيب بالعمى ,وتحولت عينيه إلى تلك الشبيهة بعيون الموتى , وتأثر جلده أيضاً بفقدان الشمس , فتحول لونه إلى اللون الأسود .

الغراب :

في البداية ... كان الغراب ناصع البياض , يتخلل جسده الجميل بعض الريش الذهبي , و تميز أيضاً بصوته العذب الغناء الذي أستمتعت به كل حيوانات الغابة , وذات صباح أقبل طائر أصفر اللون بديع المظهر , يحلق في السماء الزرقاء الصافية ويغرد مبتهجاً بصوت عذب جميل محبب إلى النفوس ,فأدهش هذا الطائر الغريب جميع حيوانات الغابة , ولكن ملأت الغيرة والكراهية  قلب الغراب , الذى أنتظر حتى أقبل المساء , وقام بالإنقضاض على هذا الطائر الضعيف , فقتله ودفنه أسفل شجرة الكستناء العجوز التى فقدت أوراقها . وأقبل الصباح وتساءلت حيوانات الغابة عن غياب الطائر الأصفر البديع , فأسرع الغراب بالرد على أنه شاهده يذهب إلى دياره في المساء , ولكن تعجب الجميع من صوت الغراب الذي أصبح غليظاً منفراً, وأيضاً من مظهره القبيح فقد تحول لونه إلى اللون الاسود , أما الريش الذهبي الذي غطى رقبته , تحول إلى لون رمادي كئيب كلون الغبار , ومنذ ذلك اليوم لم يعد الغراب أبداً كما كان , وكان مصدر أزعاج لجميع حيوانات الغابة بسبب صوته الكئيب الشبيه بصوت حيوان هالك , وأيضاً من مظهره التعس الذي بعث الإنقباض في القلوب , وهجر الغراب الغابة , وعاش على أحجار القبور .

النسر :

في البداية ... كان النسر حيواناً ضعيفاً صغير الحجم , ولكنه كان حاد المزاج , عزيز النفس , وأدت طباعه الغليظة  أن جعلته منبوذاً  من بقية الطيور , حتى هجر الغابة وعاش بعيداً على أعالى الجبال . وذات صباح عندما أخذ يحلق في الأراضى البعيدة , أبصر بنظره الحاد أسراب الجراد البائس التى أخذت تقضى على الأخضر واليابس , فمحت كل الأراضى الخضراء التى مرت فى طريقها , وأخذت تقترب من الغابة . فهم  النسر بجسده الضعيف و جناحيه الواهنين بالإسراع إلى الغابة البعيدة حتى يحذر كل من فيها من الخطر المقترب . وقاول بكل ما يملكه من قوة حتى كاد أن يلقى حتفه من كثرة الإجهاد , ولكنه نجح في الأخير في الوصول إلى الغابة وتحذير الحيوانات من الخطر القادم , وبعدها سقط على الارض كالصخرة , وظن الجميع أنه قد لقى حتفه , ولكنهم أسرعوا بإعداد العدة للدفاع عن الغابة حتى أستطاعوا أن يصدوا الخطر تماماً , وأخذ الجميع بالإحتفال بهذا النصر العظيم , ولم ينكر الجميع فضل النسر في هذا الإنتصار, وقرورا تكريمه حتى مثواه الأخير , ولكن عندما توجهوا إلى جثته , وجدوه على قيد الحياة , والغريب أنهم لاحظوا تطور جسده الصغير الذي أصبح أكثر قوة, ولاحظوا أيضاً نمو جناحيه الذان صارا أكبر بأضعاف .


السبت، 14 مايو 2011

مملكة النمل



أنطلقت أسراب من النمل تقطع الشارع المقابل الذى يسير فيه الصراصير كبيرة الحجم , والتى تكدست عند مرور الفوج الأول, حتى أتيحت لهم فرصةً آخرى بعد أن أضاء أحد ما ضوء شمعة خضراء.


 تنوعت أشكال الصراصير ما بين ذات اللون الواحد والآخرى صاحبة المكعبات البيضاء والسوداء المتداخلة والتى يميزها شئ ما في مقدمة رؤسها , تتوقف هذه الصراصير لإخطاف بعض النمل البائس المنتظر في يأس كأنه يريد أن يلقي بنفسه تحت أقدام هذه الصراصيرالمسرعة كي يخفف عن نفسه وطأة الإنتظار, فكانت فلسفته في الحياة أن إنتظار الموت أسوء من الموت نفسه .


عبرت النملة ذات الشوارب الكثيفة مع السرب الذي يعبر الطريق فأتجهوا بالكامل تجاه ملكة النمل ذات المنظر البديع المميز صاحبة التاج الذهبي , تتبعوا خطواتها وهم في حالة من التنويم المغناطيسي وكانت ملامح الذهول والإعجاب مرتسمة على الوجوه كأنها لعنة ما أصابتهم . أما النملة ذات الشوارب الكثيفة أدركت خطر الإنسياق وراء هؤلاء الحمقى السائرون نايماً , وأدركت أيضاً مدى خطورة ملكة النمل وتأثيرها القاتل على العقول , فهمت بالإختباء في جحر من الجحور تراقب الموقف عن كثب , وسرعان ما أدركت أنها تختبأ في الموقع الخاطئ عندما سمعت صوت السحالي القادمة بسرعة مفرطة من خلال هذه الجحور المظلمة والتى كانت في منتصف طريقها تماماً , ولكن شاء القدر أن تبقى على قيد الحياة , فمرت السحالى بسلام .

خرجت النملة ذات الشوارب الكثيفة إلى الشارع مرة آخرى وقررت أن لا تبدى لملكة النمل إنتباهاً كأنها أحدى الصخور كئيبة المنظر القابعة وسط الطريق , أنتظرت ملكة النمل وخلفها مجموعة كبيرة من النمل المسير الذى تم السيطرة عليه تماماً وكانت الملكة في حالة من الزهو والإعجاب المفرط بجمالها الذي لم يسبق له مثيل , وحدث ما لم يكن في الحسبان إذ وقعت عيناها الساحرتين على النملة ذات الشوارب الكثيفة , ولكن الآخرى لم تبدى أى أهتمام و تظاهرت بالامبالاة مما جعل ملكة النمل تنطلق مبتعدة عن الطريق في إتجاه الجهة المقابلة حيث وقفت النملة ذات الشوارب التى تحاول جاهدة عدم الأكتراث ,أسرعت ملكة النمل الخطى تجاه النملة ذات الشوارب حتى كادت أن يسحقها بعض الصراصير المسرعة.

  
نجحت الملكة أخيراً في الوصول إليها وهى فى حالة ممزوجة من الضعف والإعجاب والإنبهار بهذه النملة . لم تبد النملة ذات الشوارب أى أهتمام بالملكة ونظرت في الإتجاه الآخر إلى مجموعة النمل الذاهلة المأسورة بسحر الملكة اللعين , حيث وقوفوا جميعاً دون حراك في قارعة الطريق , وسمعت أصوات تهشمهم تحت الصراصير العابرة القاسية , ولم يعد احد منهم على قيد الحياة , اما ملكة النمل حاولت أن تجذب أنتباهه في يأس , ولكنه ألتفت إليها في الأخير , فقالت الملكة : سيدي الملك ,هل يمكنك مساعدتى في حمل هذا العبء الثقيل و أشارت إلى تاجها الذهبى.  



الجمعة، 13 مايو 2011

الحطاب



ظن الحطاب بأنه فر من الجحيم وجلس في العراء يستنشق الغبار الناتج عن كوخه المحترق بعدما آلت كل محاولاته للسيطرة على الحريق بالفشل , فتلون وجه بلون الغبار حتى هاجمته عاصفة من السعال , وأنسالت دموعه على الأرض الطينية الرطبة .

لقد عمل حطاباً كأبيه , فكان يخرج كل صباح قبل طلوع الشمس حتى المغيب لجمع الحطب , وكان يقوم بهذا العمل الشاق في كل يوم من أيام حياته الرتيبة القاسية التى تكررت أيامها فكانت نسخة طبق الأصل من الأيام التى سبقت ولكنه كان يأمل بأن يكون لله خطط آخرى.

أعتاد الحطاب الذهاب إلى السوق في يوم الجمعة من كل أسبوع وقد حمل بغلته بحمل الأسبوع الماضى من الحطب , ثم يبيعه بثمن زهيد ويقبض على الدراهم القليلة بكلتا يديه فتعلو وجه أبتسامة عريضة يملأها الرضا .

وبينما هو جالس يتحسرعلى إحتراق الكوخ وضياع كل ما يملكه من حطام الدنيا , تذكر واقعة حدثت منذ أن كان صغيراً ورمى إليها بأصابع الإتهام لما وصل إليه الوضع الآن, فعندما كان غلاماً صغيراً أبصر معاناة والده العجوز في حمل الحطب الثقيل , وأشفق على ظهره المشوه المنحني , فشرع على أختراع عربة تدفع باليد حتى تيسر على أبيه عملية نقل الحطب , فعمل في الخفاء كل ليلة لمدة شهر كامل حتى جاء اليوم المنشود وصنع العربة .


وفي صباح يوم مشئوم بعد ليلة شاقة قد هاجمه فيها الأرق , عندما حانت لحظة خروج أبيه من الكوخ توقف أبوه لوهلة ثم سأله عن هذا الشئ الخشبي الكئيب الشبيه بتابوت متحرك , فأقبل أبنه موضحاً بأنه صنع له عربة خشبية لتعينه على نقل الحطب , فأبتسم أبوه قائلاُ :

" يابنى لو أراد الله لنا أن ننقل الحطب بالعربات , لجعل لنا عجلات بدلاً من الأرجل" وقام بحرق هذه العربة بعدما علم بأن لله خطط آخرى .  


و مرت السنوات ببطء كحيوان مجروح يزحف في ألم , ومات أبوه عندما بلغ أشده وصار شاب قوي البنية كالصخرة , وأرتسمت على وجه علامات البأس , و قضى اليوم تلو الأخر يجمع الحطب في شجاعة اليأس , وكان يملى النفس دائماً بيوم الذهاب إلى السوق والتفكير بما سيفعله بهذه الدراهم القليلة .


وذات يوم تراءت له ذات الفكرة التى جالت بخاطره وهو صغير , وقرر أن يعاود صنع تلك العربة من جديد لتخفف عليه مشقة حمل الحطب , فشرع يجمع الحطب في الصباح , و يعمل في صنع العربة في المساء .


 وفي ليلة مظلمة قد قرر القمر فيها الأختباء ,  تأخر الحطاب كثيراً في العمل حتى بلغ الليل منتصفه , وأستيقظت الرياح في تلك الليلة حتى كادت تعصف بالكوخ العتيق , فأغلق جميع النوافذ وأستعان بضوء الشمعة الشاحب كى يواصل عمله , ولكن لعب القدر لعبته القديمة فأمر الرياح بإختراق النافذة , و سقطت الشمعة بعيداً حتى بدأت النيران بالأنتشار السريع و بات من المستحيل السيطرة عليها .



تفحم الكوخ تماماً , وأشفقت السماء على الحطاب المسكين فهطلت أمطار غزيرة حتى توقفت في صباح اليوم التالى , وفي تلك الأثناء قرر الحطاب محاربة الهواجس التى أصابت عقله بالسؤال المحرم " لماذا ؟"  ...  لماذا أختاره القدر تحديداً وهو الشخص التعس الذى يملك بالكاد قوت يومه  ؟

أستطاع الحطاب الإنتصار على الجزع , وتحرك أخيراً من جلسته الساكنة وشرع يبحث وسط الحطام عن فأسه الحديدية الصدأة بعد أن قرر بأن يبدأ من جديد بعد أن طمأنته السكينة بأن لله خطط آخرى.

وفي أثناء بحثه أسفل أنقاض الكوخ وجد صندوق حديدي مطعم بنقوش غريبة مدفون أسفل آحدى الأرضيات المحطمة بفعل الحريق , ففتح الصندوق وهو في حالة من الذهول بعد أن كذب عيناه مراراً لما أبصر ... فقد ملأ الصندوق بالعملات الذهبية وأحتوى أيضاً على مختلف أنواع الجواهر والنفائس , ولم يكن صندوقاً واحداً فقد وجد العديد , مما جعله يشرع في بناء عربة آخرى حتى يستطيع نقل هذه الكنوز ... وعندها أيقن بأن لله خطط آخرى .


الثلاثاء، 26 أبريل 2011

في وقت ما


تمعن النظر في المرآة...تجزم أن مظهرك كان أفضل كثيراً في وقت ما , لكنك لا تتذكر الوقت تحديداً . ولكنه كان أفضل كثيراً ... ولكن ما الذي حدث ,ما سبب هذا السواد الذي أنبعث , ما سبب هذا الوجه الشاحب ذو الأبتسامة الذابلة ,كأنها رجل ضل طريقه في الصحراء القاحلة. لقد أصاب السواد المنطقة السفلى من عينك وأختفى ذلك البريق الذي كانت تتمتع بها دوماً , لقد أنعكست تعابير الدهشة من صورتك المشوهة كأنها لعنةً أصابت قوماً . وإذ فجأةً تعرف سبب ذلك الشحوب الذى بدا كمنزل متهاوى بنى من الطوب.فالحقيقة ان مظهرك الجيد لم يتغير أبداً, ولكنها إضاءة المكان التى تغيرت وأصبحت خافتة جداً .